الهوية الوطنية.. الأهمية والدلالة

د. سليمان بن خليفة المعمري **

يُعرَف الإنسان بهويته، فإنسان بلا هوية إنسان مجهول، والهوية الوطنية تجمع عددا من الهويات داخل الوطن فالدين هوية، والتوجه السياسي هوية، وثقافة الإنسان وعاداته وموروثاته هوية، وسلوكياته اليومية من لباس ومأكل ومشرب تأخذ طابعًا مُميزًا أو هوية.

وارتبط مفهوم الهوية الوطنية بوطن الإنسان ومهد إقامته، ويزخر تراثنا العربي والإسلامي بكل المعاني الجميلة في حب الوطن، ففي القرآن الكريم (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) (النساء: 66)، يُلاحظ إشارة لطيفة إلى أهمية الوطن وعلو مكانته إذ يتساوى قتل النفس مع الخروج من الوطن، كما نجد العديد من الآيات الكريمة الأخرى المبثوثة بين دفتي الكتاب العزيز تؤكد على سمو مكانة الوطن ومنزلته الرفيعة ومن ذلك قول الله عز وجل (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة: 46) وقوله تعالى: (قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) (البقرة: 246)، كما دلت الأحاديث النبوية الشريفة على مكانة الوطن وحضت الأفراد على حبه والدفاع عن مقدساته، وقد ضرب لنا الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- المثال والأنموذج والأسوة الأعلى في حب الوطن فبعد أن خرج مهاجرا إلى المدينة المنورة التفت إلى بلده العزيز مكة المكرمة وقال كلمته التي بقيت نبراسا يحتذى مدى الدهر: "لولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت"، كما عد العلماء حب الوطن شعبة من شعب الإيمان.

وقد تغنى الشعراء بأجزل الشعر وأجمله وأعذبه وألطفه في حب الوطن بدءًا من امرؤ القيس في معلقته "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"، وتوالى جهابذة الشعر وعمالقته عبر العصور والأزمنة يدبجون القصائد والدواوين في محاسن الوطن ومفاتنه وأطلاله وربوعه وتاريخه وحضارته وفيافيه وقفاره وبحاره وسمائه، وكم أطربنا إبراهيم طوقان وهو يتغنى بموطنه ذي الجلال والجمال والسناء والبهاء والحياة والنجاة والهناء والرجاء، وطالما رددنا مع أمير الشعراء أحمد شوقي في رائعته:

وطني لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنّه    نازعتنى إليه فى الخُلدِ نَفسي

ويشير مفهوم الهوية الوطنية إلى "مجموعة من السمات والمعتقدات والأفكار والقيم والتقاليد الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي تكونت خلال فترة زمنية طويلة وتميز مجتمعا عن غيره وتجعل من أفرادها يشعرون بالفخر للانتماء لها"، وللهوية الوطنية تأثير كبير على منظومة القيم الثقافية والفكرية التي يتبناها أفراد المجتمع، كما تؤثر على التركيب الشخصي للفرد وصفاته الشخصية واتجاهاته الاجتماعية والسياسية المستمدة من ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده المتمثلة في الحكمة والصبر والتعاون والتسامح مع الآخر، والتعاطي مع الأحداث والأزمات والتصرفات التي يتبعها الفرد في مختلف المواقف الحياتية، كما إنها تولّد لدى أبناء الوطن الواحد الشعور بأنهم جزء فاعل وحيوي من نسيج المجتمع يسهمون في بناءه وحمايته، كما تسهم في ذوبان الفوارق بين الأفراد على الرغم من اختلاف الطوائف والانتماءات، كما تعمل على إيجاد مشاعر ومعتقدات إيجابية بضرورة تقليل أو منع النزاع فيما بينهم، وتحسن اتجاهاتهم نحو الوطن.

وقد حرصت سلطنة عمان على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبناء هذا البلد وحمايته من مختلف المؤثرات الخارجية الدخيلة؛ إذ أشار النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (6/2021) في المواد أرقام (1) و(2) و(3) إلى إن سلطنة عمان دولة عربية إسلامية، وإن دين الدولة هو الإسلام، وإن اللغة الرسمية لها هي اللغة العربية، وقد ذكر الصحفي السريلانكي لال ميتراباندو مجموعة من الخصائص والسمات التي تميز الشعب العماني وتعد هوية تميزه عن غيره من الشعوب كالآتي (موقع الكتروني: www.oman.net):

-       الكثير من الناس فيها من مختلف الأعراق والأديان في محبة ووئام وتعاون.

-       نادرا ما تصادف جرائم مأساوية في سلطنة عمان أو تسمع عنها.

-       احترام الناس بعضهم بعضا وترحيبهم وإفشاء السلام بينهم.

-       لا يفقد العمانيون أعصابهم بسهولة حتى في أعنف المواقف فلهم قدرة عالية على ضبط النفس.

-       يحترم الرجل العماني المرأة احتراما خاصا ويسمح لها بأداء دور فعال في المناسبات الأسرية.

-       حرص السائق العماني على الالتزام بالقوانين المرورية.

وختامًا فإن سلطنة عمان بما تزخر به من كنوز تراثية وثقافية وطبيعية ممتدة في كافة ربوع البلاد، تدل بشكل قاطع على هوية وثقافة أصيلة، وعلى إبداع فكر الإنسان العماني، واعتزازه وارتباطه بأرضه ووطنه، وإن هذه الرموز والمفردات الوطنية مما ينبغي التمسك بها والحفاظ عليها وحمايتها من الاندثار والزوال، وإن الحفاظ على مقدسات الوطن والذود عن حياضه لهو من أوجب الواجبات ولنا في تلك المقولة الخالدة لفولتير "خبز الوطن خير من كعك الغربة" أبلغ الدروس، وأن ندعو لهذا الوطن الحبيب بما دعا به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام: (رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ).

** مهتم بقضايا الإرشاد الوظيفي

تعليق عبر الفيس بوك