سالم بن نجيم البادي
ما إن أُعلن عن ثبوت رؤية هلال شهر ذي الحجة ودخول العشر الأوائل منه، حتى رق قلب ضحيّ، وقد شاهد الناس يحتفون بهذه العشر ويذكرون فضلها عبر حساباتهم، وينشرون النصائح التي تحث على اغتنام هذه الأيام، من خلال الإكثار من العبادات والطاعات والصدقات والأدعية والأذكار.
كان ضحيّ متأثرًا برؤية قوافل الحجاج، وهي ذاهبة إلى مكة المكرمة، ومشاهدة الحجاج وهم يصلون إلى الديار المقدسة، وقد تخيل المشاعر المقدسة والناس وهم يؤدون المناسك، ووصلته رسائل وداع من معارفه الذين قدّر الله لهم الذهاب إلى الحج هذا العام.. هذه الرسائل فجرت أشواقه إلى الأماكن المقدسة إلى عرفات ومنى والمزدلفة، ورمي الجمرات والطواف بالكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، وتمنى أن يكون بين تلك الجموع الغفيرة في تلك الأماكن المقدسة.
وكأنما الدنيا كلها ضجت بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد و الرحمة تهطل كما الغيث وغمامة من السكينة تمد ظلها على كل المخلوقات. هذه أيام لله وهي فرصة سانحة ليس لجني الحسنات فحسب؛ بل لراحة وسعادة الأرواح واستراحة للقلوب من وعثاء الحياة وتعبها تنهد ضحي وأخذ يعاتب نفسه ويلومها، وقد اغرورقت عيناه بالدموع وراح يخاطب الله- عز وجل- قائلًا: "يا إلهي أنا عبدك الآبق ردني إليك ردا جميلا لقد بانت تباشير أيامك المباركة".
لقد طال شتات ذاتي ولوحت بي رياح الضياع ذات الجهات الأربع و أوجعتني سنوات الاغتراب بعيدا عنك وأنا لم أزل في زهوي وطيشي وغرني إمهالك لي. ولقد عافيتني ورزقتني وأعطيتني من نعمك التي لا تحصى رغم تمردي وعصياني وهروبي إلى للاشيء.. مع يقيني أنه لا هروب منك إلا إليك يا الله.. لقد غرتني الحياة الدنيا والشيطان وهوى نفسي ورحت أعب من المعاصي بلا حدود، وأنا شارد في اللهو والغفلة و قد ذهب جل عمري سدى وأنفقت أيامي في ما يضر ولا ينفع، وأغلقت سمعي عن المواعظ؛ وكأن الأمر يخص غيري، وسرت مختارًا في طريق الضلال، وركبت حصان شهواتي يركض بي حيث لا هدف ولاغاية!
أنا المنفلت من عقالي، والضال في أودية التيه التي لا نهايات لها، والموغل في صحاري الوهم والأمل الطويل.. إنه السراب الذي ظننته الماء الزلال، فإذا به صهد الشمس ورياح السموم والظمأ، لقد زادني ما كنت أحسبه بحثَا عن السعادة والحرية رهقًا؛ لأنني طلبته خلافًا لما أمرت يا الله.
كم شقيت حين أعرضت عنك وعشت حياة الضنك والعنت وعانيت من سلسلة ممتدة من الهزائم والاخفاقات والخيبات والحظوظ العاثرة والأحلام الكاذبة؟
إنها الغفلة يا إلهي.. والتسويف والغرور وحب الدنيا الذات، والتقصير في العبادات والكسل عن فعل الخيرات وهذه آفات قد رانت على قلبي وألبسته جلبابا من القسوة والتمرد واللامبالاة والاستهتار، حتى إذا جاءت مواسم الطاعات ورأيت الناس يتسابقون إليك ويقدمون قرابين التقوى والإنابة، وقفت أتفرج من بعيد وأغبطهم على حياتهم الروحانية المفعمة بالرضا والسكينة والطمأنينة وراحة البال وبراءة الضمير، رأيتهم يحرصون على أداء الصلوات في جماعة وكانوا يثيرون دهشتي وإعجابي حين يحافظون على أداء النوافل والسنن الراتبة وصلاة الضحى وصلاة قيام الليل واستغربت ممن يصوم بعد رمضان 6 أيام من شوال، ثم يصوم ثلاثة ايام من كل شهر والاثنين والخميس من كل أسبوع وهم الذين يواظبون على هذه الطاعات دون انقطاع ومن غير ملل ولا تذمر وأنا بالكاد أصلي الفرائض وأصوم رمضان.
يا الهي انت الذي هديتهم وأرشدتهم لهذا الدرب ومنحتهم القوة للاستمرار في السير فيه، اجعلني يارب في زمرتهم، واحشرني مع عبادك الأتقياء واجمع شتات نفسي إليك وارحمني واكرمني بعفوك ومغفرتك وثبت قلبي على دينك، واهدني صراطك المستقيم.