المؤسسون يستمتعون بطريقتهم الخاصة

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

في عالمنا المتقارب اجتماعيًا وطبيعتنا التي من خلالها نريد أن نعرف كل شيء عن الناس من حولنا، فإننا ندقق كثيرًا في رقم السيارة ونوعها وحجم البيت ونراقبُ إلى أبعد من ذلك وبصورة نمطية للكل حتى في الملابس والساعة التي يستخدمون وكل ما يقتنيه أي شخص.

وبعيدًا عن إيجابيات ذلك أو سلبياته، إلا أننا نحكم على أشخاصٍ بعينهم على أنهم بخلاء في كل ما ذكر، فلو نرى ما يلبسون وما يأكلون وما يستخدمون من وسائل نقل ونقارنه بسنهم الذي وصلوا إليه نجد أن كل ذلك لا يتناسب مع دخلهم المرتفع، والذي يمكن لأي إنسان عادي أن تكون حياته أفضل منهم بكثير، في حين أنه هو يعد واحدًا من الأغنياء وبكل وضوح؛ ذلك أن المراقب اختصر وحدد حكمه من طريقة صرف المال غير أنه لم يعنِّ نفسه معرفة تاريخ هذا الإنسان، فقد يكون يومًا ما فقيرًا معدمًا بدأ بفكرة معينة وسخّر حياته ليحسّن من مستوى معيشته وطريقة الحياة التي وجد نفسه فيها حتى أصبحت قصة عمره تتخللها ميزات عدة أهمها نكران الذات والصبر؛ بل والحرمان من كل شيء، حتى إنه يبيت جائعًا من أجل تحقيق حلم معين وعلى أمل واسع وبطريقةٍ دقيقة وصولًا الى الأفضل.. لكن سرقة الأيام للعمر تبدأ في تثبيت ذلك النظام من الحياة إلى سلوكٍ متعمق يتحدث عن صرامة وقوة عمل ذلك الإنسان. وتتعمق أكثر وأكثر مؤملًا نفسه بالغد الأبعد حتى وإن كان في مستوى دخل يفوق آلاف المرات ما كان عليه في يوم من الأيام.

تلك الطرق من أسلوب استخدام المال تمكنت منه وتوقفت معه حسابات العمر وراحته الشخصية كما يأمل المراقبون، وليس كما يرى هو نفسه التي تستحق أن يستفيد مما حقق في مرحلةٍ ما من عمره بعد ذلك النجاح، وأن يجني ثمار نجاحه. غير أن الأمر غير المرئي من طبيعته هو أن ذلك السلوك أصبح في عمقه البعيد هو السر، بل والكنز الحقيقي الذي أوصل دخله المالي إلى ما هو عليه، ولذلك فهو أغلى بكثير من أن يتركه ويظل هاجسًا غير مشاهد للآخرين، ويبقى في خوف مستمر أن يعود الى الماضي، في حين أن كل من حوله يرون عكس ذلك ويتدخل الأبناء طلبًا بحياة مختلفة، ولكن تحقيق ذلك في عمقه أبعد من الخيال، وأن متعة ولذة الحياة الفعلية لديه تكمن في ذلك الصديق الحميم، وهو نمط الحياة المتثاقل بكل ما نرى، ولن يكون له أي جديد مهما حاول أقرب الناس إليه؛ لذلك فهو يمكن أن يصرف الكثير على غيره إلا على نفسه التي تعيش فارقا كأي إنسان وجد المال أو ورثه، وبين آخر بدأ من مشقة الحياة حتى أصبح سلوكًا ونمطًا يترسخ مع الأيام، فما علينا إلا أن نشاهد لأننا لن نحدث الفارق المطلوب، ولن يخرج أي إنسان من هذا الشكل من الحياة، إلا ذوي العقول الذكية جدًا، والتي تستطيع أن تخالف ما يشعر به أي إنسان في عمقه.

الجميل في الأمر أن هذا النوع يشعر إنه ما زال شبابًا وأن الأيام لا تعد عمره، ومهما أصيب بعوارض الزمن ومهما كان حجمها، فإن ذلك في عمق نفسه زائل، وسيعود حتمًا لجمع المال وليس استخدامه لأن ذلك فعليًا سيكون دور من بعده.

هنا نقف مع مؤسسين آخرين على مستوى الدول والممالك عبر التاريخ؛ فالمؤسِس يغامر بحياته وماله وأهله ويكون مقدامًا شجاعًا وسخيًا بكل ما يملك، ويستطيع -وعن استحقاق ومؤهلات فعلية- أن يكون قدوة في كل شيء؛ بل إنه يكوِّن مساحة من القدرات الفذّة تؤهله بأن يقدم له كل من حوله ما يملكون ومنها حياتهم، وهذا الاستحقاق الفذ يكون ثمنه تقدير وعمل لإرضاء كل من حوله حتى يصل به الأمر أن يقضي أيامًا في حاجةٍ ماسةٍ لشيء يؤثر به على من حوله، ويبيت جائعًا في سبيل خدمة كل إنسان، ويحقق أحلامًا قد تكون في يومٍ ما ليست أكثر من فكرة لنفسه وأسرته وحتى أمَّته. ومع تقادم الأيام ورحيل المؤسسين وظهور أجيال أخرى، يترسخ في ذهن بعض منهم إنما أتى هذا الغنى والجوانب الأخرى عن استحقاق شخصي، في حين أنه هو نفسه ليس له من الأمر شيئًا، لا من قريب ولا من بعيد، حتى إنه قد يكون خاليًا من أي مسؤولية أو حتى وظيفة.

لذلك، أذّكر كل من يحمل لقبًا استحقه مسايرًا لصدفة الأيام وليس له في تحمل المسؤولية والواجب وأصبح يملك الملايين أو حتى المليارات ويقرأ فيها الاستحقاق المطلق، أن يتذكّر أنه بالمساهمة الفعلية في مساعدة الناس والتبرع والكرم والتبرع بالمشاريع النافعة للمجتمع وصرفه المال على كل موقع هو بحاجة إليه، إنما ذلك يرسّخ له ولأبنائه وأحفاده منافع الثبات والاستمرارية والدعاء الطيب، لآبائه ولأجداده ومن تحمل يومًا عبء الكثير.

أما ما بين مؤسس التجارة والمال وما بين ملكه، صفة من أذم الصفات في ديننا الحنيف هي البخل الذي لا يحتمل أي تفسير آخر، فتلك رحلة ستبقى ملازمة للبشر.