مدرين المكتومية
يُطرح مصطلح الشراكة كثيرًا في العديد من المحافل، وخاصة على المستوى المؤسسي، إذ يعني كيفية تعاون وتكاتف مختلف الأطراف من مؤسسات حكومية فيما بينها أو حكومية وخاصة، من أجل الوصول إلى الصالح العام للمجتمع ككل.
ولا شك أن هذه الشراكة تمثل ركيزة أساسية من ركائز التنمية الشاملة والمستدامة، لكن هل لنا أن نتساءل عن مدى تحقق هذه الشراكة وما نسبة نجاحها، خاصة في مجالات بعينها، وأذكر منها مجال الإعلام، إذ يتبادر إلى ذهني دائمًا وأنا أُمارس عملي الصحفي: لمَ يمتنع المسؤول عن الحديث مع وسائل الإعلام؟ ولماذا تعرقل دوائر الإعلام في مختلف المؤسسات جهود الصحفي عندما يبدأ في ممارسة عمله؟ وما السبب وراء التعميمات الوزارية والإدارية التي لا تستهدف سوى منع الإعلام من ممارسة مهامه ومسؤولياته؟ وكيف يمكن أن نفهم رد جهة أو شركة أن "الصحفيين غير مدعوين"؟ لماذا يخشون الصحافة ووسائل الإعلام؟
مثل هذه السياسات غير المقبولة تسحب البساط من تحت أقدام وسائل الإعلام التي يتحلى العاملون فيها بقدر كبير من المسؤولية والموضوعية والأمانة الصحفية، التي درسوها في الجامعات ومارسوها عمليًا في ميدان العمل. وفي المقابل تفتح هذه السياسات الباب على مصراعيه أمام ترّهات وسائل التواصل الاجتماعي، وتتيح لمن يسعون وراء الشهرة وحسب أو يعانون من مرض جنون العظمة أن يمارسوا أدورًا ليست من اختصاصاتهم، فكيف لي أن أفهم أن من يسمّون أنفسهم "مؤثرين" يروّجون لمستحضرات التجميل والسلع التكميلية وغيرها، يتحدثون في الشأن العام؛ بل وتستدعيهم الوزارات وكبرى الشركات عند تدشين مشروع عملاق أو الكشف عن سياسات جديدة!!
لا أرى في ذلك سوى انقلاب للموازين، فالصحفي الذي تعلم المهنة خلال سنوات الجامعة ثم كابد من أجل اكتساب المهارات الإعلامية، يجد نفسه في موضع مقارنة مع أحد "المؤثرين" الذي لا يدري كيف يكتب تغريدة واحدة دون خطأ إملائي، وهذا ليس انتقاصًا منه؛ بل وصفٌ للحالة التي نحن عليها، إذ هل يُعقل أن أطلب من طبيب أن يضع مخططًا هندسيًا لمشروع المستشفى بحجة أنه الطبيب؟! بكل تأكيد: لا!
إننا وفي ظل المتغيرات التي يفرضها علينا الواقع داخليًا وخارجيًا، يجب أن نرسخ دور الصحافة والإعلام كشريك رئيسي في مسيرة التنمية والنهوض، وأن تتحقق الشراكة الفعلية بين مؤسسات الدولة من جهة، ووسائل الإعلام من جهة ثانية، من أجل بناء الوعي المجتمعي على أسس من الإنضباط والمعرفة الصحيحة، بعيدًا عن التأويلات الخاطئة والتفسيرات المغلوطة.
إننا بحاجة إلى مؤسسات حكومية تتعاطى مع الصحافة بمختلف أشكالها المقروءة والمرئية والمسموعة، وأن يُدرك الوزير أو الوكيل أو أي مسؤول في الدولة أن الصحفي ليس متطفلًا؛ بل هو يمارس مهام عمله التي كفلها النظام الأساسي للدولة والقوانين المنظمة.
ولذا على المؤسسات الحكومية، أن تضع نصب أعينها أن الشراكة مع وسائل الإعلام تخدم المجتمع، وأن هذه الشراكة نابعة من الدور الرائد والمؤثر للإعلام في المجتمع، فكما ذكرت أن تجاهل الإعلام يسمح لغير المتخصصين أن ينشروا المعلومات المغلوطة والأنباء غير الدقيقة.
على المسؤول أيضًا أن يعلم يقينًا أن الصحفي ليس موظف علاقات عامة، وأنه لن يرتضي بالإجابات المُعلّبة، ولا بالردود الجاهزة التي أعدها مدير المكتب أو مساعده الشخصي، والتي عادة لا تقدم ولا تؤخر، كما إن الصحفي ليس وسيلة للدعاية المجانية لإنجازات المسؤول ولا مؤسسته؛ بل هو حلقة وصل بين المسؤول والمواطن.
لا شك أن حكومتنا الرشيدة بمختلف أجهزتها تعمل ليل نهار من أجل تقديم الأفضل للمواطن، والمضي بعمان نحو مصاف الدول المتقدمة، لكنها تحتاج مع هذا الإيقاع المتسارع وجود إعلام مؤثر وقادر على مواكبة المتغيرات والمستجدات، وهذا لن يتحقق ما دام المسؤول يرى الصحفي في موقع الخصم لا في موقع الشريك.
ولعل من نافلة القول الإشارة إلى أن نحو 95% من الوزراء في الحكومة لم يجروا حديثًا صحفيًا واحدًا منذ توليهم المسؤولية، ولنا أن نتخيل أن المواطن لا يعرف أسماء الكثير من الوزراء ووكلاء الوزارات بل ولا يعلم حتى اسم محافظ المحافظة أو والي الولاية التي يسكن فيها!! وهذا مرده إلى الغياب الإعلامي للمسؤولين، وكأن الحديث إلى الإعلام يمثل خطرًا وجوديًا أو يهدد كرسي المسؤول!
والشراكة الإعلامية، ترتكز على شروط وواجبات، ولا يجب أن يكون الحديث عن وسائل الإعلام فقط في أوقات الأزمات، كما حدث خلال جائحة كورونا، وإن كان الكثير من الوزراء قد أصدروا أوامرهم للموظفين بعدم الحديث إلى وسائل الإعلام!!
إن الشراكة المطلوبة بين الحكومة ووسائل الإعلام تعني بكل وضوح عدم فرض أي إجراءات تحول دون الصحفي وأداء مهامه ورسالته؛ سواء كان ذلك في صورة تعاميم وزارية وإدارية مكتوبة، أو توجيهات شفهية، ولن نصل إلى الغاية المنشودة إلا عندما نجد الصحفي قادرًا على الوصول إلى الوزير والوكيل والمحافظ والوالي دون أن تجد من يقول لك "ابعث برسالة رسمية وسنرد عليك لاحقًا" فتكون "لاحقًا" هذه بمعنى "اللانهاية"!
إننا في أمسّ الحاجة إلى الشفافية والصراحة مع المواطن، ووسائل الإعلام بكل تصنيفاتها، هي المعنية بذلك، والقادرة على القيام بهذه المهمة، فامنحوا الصحافة والإعلام الحق في الوصول إلى المعلومة التي يحتاجها المواطن، وساعدوا الصحفيين على أداء رسالتهم على أكمل وجه، بألا تحرموهم من حضور الاجتماعات الرسمية أو المؤتمرات الصحفية أو الأحداث الكبرى، أو تحولون دون إجراء لقاءات وحوارات مع كبار المسؤولين.. إننا نريد الشراكة لا غير.