خالد بن سعد الشنفري
21 يونيو فلكيًا هو أول أيام فصل الخريف في ظفار، وقد أطلّت علينا منذ أيام بوادر نفحات هذا الفصل المبارك من فصول مواسم ظفار المعطاءة دائمًا، فأخذت تكتلات سحبه تتقاطر على سمائنا ونفحات نسيمهِ تفكك من ضغط رطوبة رذاذ أمواج البحر، التي أخذت تُعد العُدة لتتسارع وتتعالى؛ لتشكل طوقًا ودرعًا منيعًا لركوب بحر العرب، ليعمل في هدوء من أمره ويجدد لنا عطاءه من جديد في "الصرب" القادم، وليُسلِّم الآن الراية إلى الخريف المعطاء.
إنه عطاء من نوع آخر هذه المرة، عطاء السماء للأرض بعيدًا عن البحر، ولكن بحر العرب الوفي يظل هبة الله إلينا في كل أحواله، فحتى في الخريف لا يتوانى أن يشارك ولو بالعزف بهدير أمواجه العالية على سمفونية خريف ظفار، بعد أن استمر في غدق عطاءه علينا طوال 3 مواسم خلت (الصرب والشتاء والقيظ)؛ فالخريف ختام مسك هذه الفصول الأربعة، وموسم عطر ورياحين وزهور وورود على مواسم ظفار الرائعة.
مُنيتُ في حياتي بعيش حياة مرحلتي خريف ظفار الأخيرتين (قبل وبعد عصر النهضة المباركة)، ورغم فارق العيش في المرحلتين إلا أن الخريف كان في كل العصور بلسمًا على حياتنا في ظفار. كنا نستشعر ونستنشق عبيره منذ الصباح الباكر لكل يوم يمنحنا فيها الرب منحة الحياة ليوم آخر جديد، فنخرج من غرف نومنا وبيوتنا منذ الصباح لنحتضن ضبابه ورذاذه، لا شيء غير الحب الذي يملأ كل شيء ولا مجال أو اتساع لغيره. يبدأ معنا منذ صباحاتنا كل يوم يُفعمها لنا مهما كان عمر وسن الواحد منا؛ فالكل يستمتع ويبتهج بالخريف، ويعيش الحب والفرح والحبور ويشارك كل المخلوقات فرحتها.. فالعصافير بزقزقتها على الأغصان المخضرة الوارفة المكتسية بما لذّ وطاب من ثمارها الموسمية اللذيذة، والأنعام في مراعيها السندسية الخضراء تكاد تُدر لبنًا بلون ونكهة خضراء وسمنًا زكيَ الطعم والرائحة، بجانب الأزهار والورود التي تعطّر الأجواء، إنها سيمفونية تُعزف وتُبهج النفس الإنسانية.
ووسط كل هذه البانوراما التي يكسوها الرذاذ بقطراته على كل شيء ليعطي سر الحياة، فإن هذا السر البديع للحياة في كل شيء في ظفار. وتزداد متعتنا في عصرنا هذا بمشاركة هذا الحب وهذا الفرح والابتهاج، مع كل مواطن في أنحاء عماننا الحبيبة، وإخواننا من دول الخليج، وزوارنا وضيوفنا من كل حدب وصوب، وقد صدق القائل: إن الإنسان يفرح بمشاركة الآخرين كل جميل لديه.
فمرحبًا بالجميع.. وحللتم أهلًا ووطأتم سهلًا.. وكل خريف والجميع بخير وسعادة وهناء.