كبار السن

 

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

رجل يبلغ من العمر عتيّا، في كلّ يوم تراه جالسا على الكرسيّ المتحرك، ينظر إلى الأفق البعيد في صمت.. لا شيء هناك سوى أمواج متلاطمة، وطيور النورس تحلّق في السماء، وعلى بعد خطوات منه يجلس سائقه الخاص.. المشهد متكرّر ولا أحد يرافقه غير السائق.. بالرغم من صمتهم، يحتاجون إلى رعاية واهتمام وحنان، واسترضاء وتدليل أكثر من الأطفال، في تلك المرحلة العمرية يكون الإنسان قد فقد الأحبة والعافية، والحيوية، وجمال الشكل، ورونق الوظيفة وضجيج الحياة. فقدوا الاهتمام فلم يعودوا محور الأسرة كما كانوا من قبل..

لا أحد يستمع لهم فالكل مشغول بحياته، احتياجات كبار السن أكثر من مأوى، ومأكل، وملبس ودواء.. يحتاجون إلى حياة كريمة، وأمان نفسي، واقتصادي، ومواصلة عملهم إن أرادوا.

يواجه المسنون حول العالم مشكلة التنمر، وسوء المعاملة؛ سواء أكان بقصد أو دون قصد؛ فالإساءة الجسدية أو الصحية أو النفسية تتنامى في السنوات الأخيرة، ولعل ما حدث في جائحة كوفيد-19 من حالات الإهمال المتعمد في المستشفيات، ومراكز الإيواء في مختلف دول العالم دليل أننا بتنا نواجة مشكلة تحتاج إلى بناء وعي مجتمعي بهذه الفئة.

لقد خصصت الأمم المتحدة 15 يونيو من كل عام يومًا، للتوعية بشأن معاملة المسنين بإحسان، وحقوقهم الإنسانية وضد التنمر على هذه الفئة. كما تم تخصيص الأول من أكتوبر يومًا دوليًا للمسنين. وتقول ميشيل باشيليت المفوضة السامية لحقوق الانسان: "إن العالم يعتقد أن المسنين غير مرئيين، بالرغم من وجود أطر دولية قانونية تحمي الجميع، دون تمييز؛ لأنه بحلول عام 2050 سيتضاعف عدد المسنين، فما هو العالم الذي نريد ان نعيش فيه ذلك الوقت؟".

إنهم البركة والخبرة والصندوق الحافظ لتراثنا وعادتنا وتقاليدنا، نستسقي منهم النصيحة والدعوة الصادقة؛ لذلك أولت بعض الدول اهتماما أكبر بالمسنين، من خلال خطة استراتيجية للارتقاء بكبار مواطنيها، لما قدموه من عطاء، وخبرات للوطن والمجتمع، وغيرت من مصطلح مسنّ إلى كبار المواطنين، فخصصت أماكن لهم في المواصلات العامة وإعفاءات من بعض الرسوم، أو أسعار مخفضة لبعض الخدمات والسلع، وخدمات منزلية خاصة لمن لا يستطيع مراجعة المؤسسات الحكومية والخاصة، وتأمينًا صحيًا، وفتحت لهم دور رعاية خاصة، وأندية وخصصت برامج اجتماعية تؤمن مشاركتهم المجتمعية، وخططًا تستثمر طاقاتهم، وخبراتهم العملية لمن لديه الرغبة، ومكّنتهم من الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة.. وغيرها من أجل أن يعيشوا حياة آمنة ومستقلة اقتصاديًا، لضمان مشاركتهم الفاعلة في المجتمع، لما تبقى لهم من العمر. إضافة إلى تنظيم حملات توعية للتراحم بين الأجيال، التي تستهدف برامج توعوية لتمتين روابط بين الأجيال لبناء مجتمع أكثر تماسكا، وخلق وعي مجتمعي على قضايا، وحقوق المسنين، وتعزيز مكانة المسنّ في الأسرة والمجتمع، وتغيير الصور النمطية السلبية عن المسنين.

ما زلتُ مؤمنة أن الخبرات التي يمكن أن يكتسبها الفرد من المسنّ كبيرة؛ فخبراتهم الحياتية ملهمة ونضجت عبر السنين، بالرغم من رتم الحياة السريع، واشتغالات كل أفراد الأسرة، إلّا أنه من المفيد أن يقضي أبناؤنا ساعات مع الجد أو الجدة في الحديث معهم أو مشاركتهم في حلقة علم أو لقراءة كتاب للمسنّ أو الاستماع معا لكتاب مسموع، أو المشاركتهم في أنشطة ترفيهية أو ممارسة هواية أو نشاط رياضي لوقايتهم من حالة التدهور المعرفي أو الذهني؛ لأنهم يستحقون كل خير.

من التحديات التي تعيق التواصل بين المسنين وأسرهم، عدم المعرفة بالأسلوب الأمثل لخدمتهم والتواصل معهم بسبب الفجوة بين الأجيال، فبعض المسنين يحتاجون إلى رعاية نفسية وجسدية وصحية خاصة، لذلك من الضروري توفر خدمة جليس كبار المواطنين من فئة التطوع ودورات تدريبية لتعزيز التواصل مع المسنين لخدمتهم بشكل أفضل.

إن اهتمام المجتمع الدولي بتخصيص يومين دوليين لقضايا المسنين، يأتي لتأكيد أن المجتمع يحتاج إلى كافة الفئات العمرية، وعلى مبدأ المساواة في الحقوق،والواجبات لجميع فئات المجتمع، ولا ننسى أن ما نحن عليه اليوم بفضل المساهمات الرائدة لهذه الفئة في البناء والتنمية -وهي قادرة على مواصلة المشوار- مع وجود الدعم المجتمعي المناسب، ولهذا فهم يمثلون الفئة المستضعفة التي بات على هامش الحياة.