سماحة الشيخ.. رجل المواقف

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

عندما نتحدث عن الرجال فنحن نتحدث عن المواقف الكريمة والشجاعة، ولكل دولة رجالها الأوفياء المخلصون الذين لا ترى منهم إلا روح العطاء لإعلاء كلمة الحق، في سبيل الدفاع عن الأمة ومقدساتها، وذلك يصبُّ في حماية الوطن والمواطنين والقضايا المهمة التي تهمُّ الإسلام والمسلمين، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْههُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا" (الأحزاب: 23).

وقد قيل قديمًا: إن الرجولة أفعال وليست أقوالًا يتغنّى بها الإنسان حيثما كان، فهي تلك المواقف التي من خلالها يستطيع الإنسان المحافظة على دينه وعرضه ووطنه وكرامة أمته.

والحادثة الأخيرة التي أثارت حفيظة البلدان والشعوب، وسجل كل واحد منهم، موقفه دفعتني إلى ترك العالم بأسره وتسليط الضوء على رجل متميز من رجالات الأمة والوطن العماني، صاحب المواقف المشرفة، الرساليّ النبيل الذي اجتمعت الأمة العربية والإسلامية على حبّه وإجلاله وتقديره واحترامه، لما رأت منه مواقف تعبّر عن الرجولة والشجاعة والتفاني في إعلاء كلمة الحق والسبق الدائم إلى الخير واحترام الغير كيف ما كان لونه ودينه وجنسه.

وسأتحدث هنا عن رجل المواقف المشرفة، الذي إذا تحدث لا يتحدث إلا بالحكمة والدراية والعلم والبصيرة، سأتحدث عن العالم العماني الجليل سماحة العلامة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عمان حفظه الله وأدامه ذخرًا للأمة العمانية من شرقها إلى غربها.

والذي تشرفت بلقائه مرات عديدة، وفي كل مرة ألتقيه لا أرى منه إلا روح المحبة والمودة والتواضع للجميع، وأستشف منه حرصه الدائم على احترام الثوابت الإسلامية والتي من أهمها الحثّ على أهمية الوحدة الإسلامية بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وقد أبهرني كما أبهر العالم بمواقفه الرصينة والمعتدلة والشجاعة في خدمة الإسلام والمسلمين، فهو لا يكلّ ولا يملّ ولا يخاف في الله لومة لائم، وهدفه الدائم هو رضا الله تعالى، والحفاظ على المقدسات وإعلاء شأنها بين الأمم؛ حيث قال تعالى: "وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم" (المائدة: 54).

وإذا أردنا التفصيل في كل موقف من مواقفه وكل قضية، أبرز سماحته موقفًا فيها فإن هذا المقال لن يكفي لاستيعابها، إلا أنه لا بدّ من المرور على بعضها وصولًا إلى موقفه في الحادثة الأخيرة التي أُسيء فيها لنبيِّ الأنام لمعرفة نوع الرجال الذين تتشرف بهم البلاد ويستحقون الموقع الذي هم فيه، وهذه القضايا هي:

•        أولًا: موقفه من القضية الفلسطينية:

والتي تمثّل الشغل الشاغل للأمة العربية والإسلامية، وكل المطالبين بالحقوق والحريات، وفي هذه القضية كان -ولا يزال- من أشدّ علماء الأمة حرصًا على حق الشعب الفلسطيني في وطنهم؛ بل اعتبرها قضية عقدية لا بدّ من احترامها والدفاع عنها، وقد ذكرت له تصريحًا في مقال سابق، وقد طالب في زمن التطبيع والانهزامية كل مؤمن بالله واليوم الآخر أن يغار عليها، ويثور لأجلها.

•        ثانيًا: موقفه من الإلحاد والملحدين:

فعندما رأى الإلحاد يغزو المنطقة العربية والإسلامية كان له الصوت المدويّ الهادر في نصرة الحق وحفظ أبناء الأمة من الضياع والضلال، فصرح قائلًا: "الإلحاد غايته واحدة وإن تعددت شعاراته، وعلى الغيورين على الدين الوقوف صفًا واحدًا لمواجهته وكشف زيفه وعيوبه"، وهي مفردة في سياق مفردات كبرى سطّرها في كتاب أسماه: «مصرع الإلحاد ببراهين الإيمان» بلغت صفحاته أكثر من 1200 صفحة في جزأين؛ عبّرت عن دفاعه عن حرمة الإسلام وإثبات وجود الله تعالى بالأدلة الدامغة، ومزق الإلحاد وقطعه إربًا، وأحرقه حرقًا، ونسفه نسفًا، وصرعه بين سطور الكتاب وصفحاته وأدلته القامعة.

•        ثالثًا: موقفه من الفكر الضال الذي ينادي بالمثلية:

وعندما تنامت أصوات إباحة ما يُعرف بالمثلية بادر بتوجيه نداء صريح إلى الضمائر الحية في العالم أجمع، مبينًا بوضوح تام أن المثلية أمر خطير؛ بل وهي فاحشة منكرة، وقد ترجمت الرسالة إلى عدة لغات.

•        رابعًا: موقفه الصارم من التطاول على الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم- والتطاول على الدين الإسلامي:

إن مقام الرسول الأعظم وحرمته من أكبر الثوابت لدى سماحته التي لم يفتر عن التأكيد عليها والتعبير عنها، خصوصًا عندما تصدر أصواتا شاذة تطال من هذا المقام، مؤكدًا "أن كثرة التطاول على مقام الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- وعلى حرمات الدين الحنيف ليست ناشئة إلا عن الاستخفاف بأمة الإسلام؛ بسبب تفرقها وفقدان الوحدة الإيمانية التي تجمعها، وتجعل كل عدوٍّ لها يحسب لها ألف حساب، وعليه فلا بُد من علاج هذه العلة المستشرية في جسم الأمة".

أما في موضوع الإساءة الأخيرة التي نشهدها هذه الأيام من الحزب الحاكم في الهند فقد دعا سماحته إلى انتفاضة عامة ضدها، وقال عبر حسابه الشخصي في تويتر: "إن الاجتراء الوقح البذيء من الناطق الرسمي باسم الحزب المتطرف الحاكم في الهند على رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- هو حرب على كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، وهو أمر يستدعي أن يقوم المسلمون كلهم قومة واحدة" دعوة منه لم تبتغ إلا الحق مهما كان ثمنها".

هذا.. إضافة إلى مواقفه من التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي وعودة الكنيسة آيا صوفيا إلى مسجد يعبد فيها الواحد الأحد وحده لا شريك له ومثلها وأمثالها الكثير من القضايا والمواقف التي تكشف لنا عن رجل سلطنة عُمان الذي يستحق أن نقف إجلالًا له لعلمه وإخلاصه ووفائه لدينه ووطنه وأمته وخدماته للإسلام والمسلمين وإعلاء كلمة الحق وإزهاق كلمة الباطل، كما في قوله تعالى: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا".

وكما قال الشاعر العماني عقيل اللواتي في سماحة العلامة الخليلي:

رجل عليه من السماء وجاهة

من نورها يكسى عظيم نزاهة

ندعوك يا الله تحفظ قدسه

فينا ليبقى في القلوب نباهة