العلاقات العُمانية السعودية.. من الواقع إلى المُمكنات

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

العلاقات بين الدول، عادةً ما تشهد مُؤشرات مد وانحسار ومراجعات وتقييم وتقويم؛ لهذا فلا عجب أن ترى مُؤشرات العلاقات بينهما متحولة ومتحركة بين الصعود أحيانًا والهبوط والركود أحيانا أخرى، أو حتى التراجع والفتور، وهذا ديدنُ العلاقات بين الدول على مر التاريخ، وخصوصًا منذ نشأة الدولة الوطنية الحديثة.

تلك الحالات السالف ذكرها هي بحسب مقتضيات الظرف التاريخي والمواقف السياسية ومعطيات الواقع بين حين وآخر؛ لهذا يتفهمُ العقلاء مصالح الآخر ومقتضيات السياسة أحيانًا ولزوميات المصالح لكل طرف، والأهم من كل ذلك هو مراجعة العلاقات وتقييمها من زاوية أن ما يجمع أكبر وأكثر مما يُفرِّق ويُشتت المكتسبات التي بُنيت عليها العلاقات، ومن ثم يُمكن تحقيق المزيد من المكاسب عليها. والعلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية كانت دائمًا على مؤشر الثبات والصعود وتحمل في طياتها قراءات عميقة من كل طرف تجاه الآخر؛ ككيانين سياسيين تاريخيين وازنين في جغرافية الخليج والجزيرة العربية والإقليم المُسمى بالشرق الأوسط.

لم تعرف تلك العلاقات الصدام أو القطيعة أو الحدية في المواقف، مهما تباينت الرؤى وتعددت الاجتهادات في عدد من المواقف وتجاه عدد من القضايا في المنطقة، وهذا ديدنُ الكبار دائمًا؛ حيث يحضر الحرص على تحييد المتحول والطارئ والتعاطي معه بمعزل عن الثوابت وعناصر الدوام والجمع وهنا مفصل العقل ومقتضيات الحكمة.

السلطنة والمملكة كيانان ونظامان راسخان، لم يعرفا المزاجية أو الهوائية في علاقاتهما الثنائية أو حتى علاقاتهما مع الآخرين كذلك، ويحتكمان دومًا إلى مفردات المُسلمات الجامعة بينهما من جغرافيا وتاريخ وجوار ومصير مشترك ويتفهم كل منهما مبررات المواقف ومقتضياتها للآخر.

نسيج العلاقات بين الدول عادة يقوى أو يضعف بحجم التشابك في مساحة ما يسمى بدائرة المصالح المشتركة؛ والتي عادة ما تُصنع من الساسة في إطار التعاون ثم تُعزز تدريجيًا لتتعاظم، ثم لتقود السياسات وتُصبح إطارًا لها مستقبلا. أما الروابط ما بين السلطنة والمملكة فقد وهبها الله وصنعها التاريخ والجغرافيا والثوابت، وبما لا يدع مجالًا للاجتهاد خارج النص أو مع النص، والبحث عن مفردات وأدوات جديدة تمثل هوية العلاقات والتعاون بينهما. من هنا كان منطق المُمكنات ومفرداته الواقعية أقوى بكثير من مصطلحات الدبلوماسية والعبارات الإنشائية المنمقة والتي تسكبها وسائل الإعلام في حواسنا عادة لوصف علاقات دبلوماسية بين بلدين.

اليوم في سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية عهدان جديدان ومتجددان، ومن البديهي أن يكون لأي عهد جديد هوية ومعالم في الإطار العام لمفهوم وسياق العهد المتجدد، لهذا لابُد ومن باب المنطق والواقعية أن تشهد العلاقات بين البلدين بزوغ عدد من المُمكنات المؤجلة لترى النور وتشكل بُنى حقيقية للتعاون الراسخ بينهما.

فكلا البلدين يدركان اليوم أكثر من أي وقت مضى أنهما مكملان لبعضهما بمنطق الجغرافيا والجوار الحيوي والديموغرافيا والاستثمار في بنى الصناعة والزراعة واللوجستيات والثروات الطبيعية والبشرية؛ فالوضع المثالي لجغرافية كلا البلدين وجوارهما لبحار ومحيطات ومضائق بحرية مهمة يجعل من التعاون اللوجستي البحري والجوي والبري مثاليًا إلى حد كبير، كما إن تشاركهما الرباني في خزين مائي جوفي يمتد من نجد عُمان إلى الربع الخالي بالمملكة يقتضي تسخيره للكثير من المشروعات الزراعية الاستراتيجية المشتركة بين البلدين.

وبهذا يتأكد للجميع أن التعاون بين السلطنة والمملكة ليس خيارًا بل مصير حتمي؛ حيث لا غنى لأي منهما عن الآخر في تحقيق رؤيته الاقتصادية المستقبلية عبر السعي الحثيث للتكامل وتحقيق المصلحة المشتركة، وبما يرسِّخ العلاقات بين البلدين وينطلق بها إلى مصاف القدوة الحسنة والنموذج الذي يُحتذى به في أقرب الآجال.

قبل اللقاء.. الاختلاف عند الكبار دومًا لا يعني الخلاف؛ بل يعني الثراء والتكامل، وفي السياسة يعني المزيد من الأوراق وسعة هامش المناورة.

وبالشكر تدوم النعم..