د. عبدالله باحجاج
أقصد بهذه الثروات، أشجار النارجيل والموز والفافاي والليمون، والثروة الحيوانية، وهي كلها في محافظة ظفار؛ إذ تواجه مهددات وجودية رغم وجود مؤسسات حكومية ورسمية إقليمية ومركزية.. وأقفُ هنا حائرًا في اختيار أولويات بنائي لهذا المقال؛ لأنها جميعها تندرج في قمة الأولويات المتساوية الأهمية، لأنها ثروات قومية، ولأنها مصادر الاقتصاد الإقليمي، وتشكل أساسيات الهوية الجغرافية والسياحية لظفار، وكانت -ولا تزال- المصدر الدائم لأمننا الغذائي، من هنا، لا يمكن التفريط فيها أبدًا، فكيف تصبح الآن مهددة وجوديًا؟
الصمتُ على هذا التهديد ، يتعارض مع توجهات الدولة بزراعة 100 ألف نخلة نارجيل بظفار، ويتعارض بصورة صارخة مع جهود الدولة في الأمن الغذائي، وإذا لم تبادر السلطات المختصة الى إنقاذ تلكم الثروات القومية، فإننا سنشهد نفوق / موت الحيوانات بسبب عجز المُربين عن توفير الأعلاف لها، التي ارتفعت أسعارها منذ عدة أعوام، وتستعير هذه الأيام، الكثير منهم يقوم الآن ببيعها تحت خوف النفوق وهي واقفة على قدميها بسبب الجوع.
واذا لم نسارع كذلك، فسنكون شهود عيان على موت أشجار النارجيل والموز والفافاي وهي واقفة، بعد أن اختفى الليمون المحلي / الظفاري من السوق للسبب نفسه، المؤسسات المركزية واللامركزية تقف عاجزة الآن عن القيام بعمليات الإنقاذ العاجلة، ولا يمكن ترك الحشرات والأمراض مثل "حلم ثمار النارجيل" و"حشرة الخنفساء" وغيرها. أن تقضي على هذه الثروات في ظل وجود مؤسسات دستورية أُنيط بها الحفاظ على هذه الثروات، ولا يمكن القبول بالحجة المالية؛ فالأموال متوافرة الان، لكن المتغير فكري في المقام الأول.
وقد قمت بزيارات استقصائية عديدة في مواقع مختلفة، من بينها مواقع تختص ببلدية ظفار، ومواقع لوزارة الثروة الزراعية، ومزارع في الشريط الساحلي، وأثناء استقصاءاتي الميدانية، وجدتُ حملة صغيرة في العدد وفي الإمكانيات، تسعى للقضاء على بعض البؤر، وهذا النوع من المكافحة قد أصبح غير مفيد، بعد أن انتشرت الآفات، ولم تعد محصورة في بؤر بعينها فقط، وإنما تحتاج الى مكافحة شاملة جوية وأرضية؛ كتلك التي نجحت في القضاء على آفة "دوباس نخيل التمور". وحسب معلوماتي التي استقيتها من مصدر رسمي؛ فإن آفة الدوباس قد ظهرت في نخيل التمور التي يزرعها المزارعون في ثمريت، ولا تلقى الاهتمام الرسمي حتى الآن، مما يتسبب في تهديد نجاح زراعة التمور في هذه المنطقة.
إننا نطالب معالي وزير الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، التدخل شخصيًا، الآن، من أجل المكافحة الشاملة (الجوية والأرضية معًا)، وغير ذلك سيكون مضيعة للجهد والوقت والمال القليل الذي يصرف عليها حاليًا، وستكون ضحيتها ثرواتنا القومية، وهذه الرؤية الفنية بنيتها من خلال الاستعانة بالخبراء المختصين، والذين لهم دراية بالأمراض التي تصيب تلكم الثروات القومية. كما نلفت اهتمام معاليه، إلى أن ثمار النخلة- مثلًا- قد اتُخذت سابقًا غذاءً ودواءً، ومن جذوعها وأغصانها سكنًا وفراشًا، كما قامت على أشجار النخيل وثمارها العديد من الصناعات التى أصبحت مصدرًا للثروة، كما إنها تشكل عناصر جذب سياحية؛ لذلك فهي خطوط حمراء، يتم المساس بها الآن.
وقد يتكرر سيناريو الجوع في ضوء الأزمات الغذائية العالمية المقبلة، إما بسبب الحروب والتوترات والتغييرات المناخية والحصار، كما يجري التحذير منها الآن؛ ففي تصريحات فهد الشريعان (وزير التجارة الكويتي) الأخيرة ما يجعلنا نبادر عاجلًا الى الاهتمام بثرواتنا القومية، فقد كشف أن السفن المحملة "بالعيش والقمح والحبوب والبذور" والتي كانت متجهة الى دول مجلس التعاون الخليجي، تم تحويلها في عرض البحر بواسطة سفن حربية، لتتوجه الى أوروبا، وتلك سقطة أخلاقية جديدة للغرب، فهل نضحي بثروات مستدامة في ظل هكذا وضع؟!
للأسف أن وضع هذه الثروات الآن لا يعطي الصورة الإيجابية عن الملف الغذائي، حتى لو توافرت، قياسًا فقط، فمنطق القياس يقول إن تلكم الثروات القومية نموذجًا للجهود، فأين دور مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار في هذه القضية؟ إذ إن دوره النهوض بصلاحياته اللامركزية الجديدة، وحتى قبلها بحكم إشرافه المباشر على هذا التراب الوطني، والآن ربما علينا أن ننظر إلى الأمام وليس إلى الوراء، وهو ما يدفع بكل مؤسسات الدولة الى التضامن والتكاتف لتدشين حملة إقليمية لمكافحة شاملة جوية وأرضية للقضاء على كل الآفات التي تعاني منها تلكم الثروات، وتشكيل لجنة إقليمية رفيعة المستوى لمساعدة مربي الحيوانات على تجاوز موجة غلاء الأعلاف، ولا ننسى مرض الدوباس الذي بدأ ينتشر في نخيل التمور في ثمريت.
أنقذوا ثرواتنا القومية في محافظة ظفار، وهي الآن مصدر الأمان الإقليمي وربما الوطني -بعد الله عز وجل- في ظل تصاعد حالة القلق من مجاعة مقبلة. الإدارات المركزية واللامركزية -للأسف- تتفرج على مآلات هذه الثروات القومية، فهل ننتظر موتها واقفةً؟ لقد فقدنا الكثير منها عبر القضاء على مزارع تأريخية، وتحويلها إلى مناطق تجارية وسكنية، وما تبقى منها يجب المحافظة عليها بقانونٍ مشددٍ، ومنظم للزراعة فيها، بدلًا من أن يستغلها الوافد بأبخس الأثمان، وبتصرفات قد تضرّ الغذاء وصحة الانسان.