حتى لا يكون السقوط مدويًا (1)

 

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

 

الكثير من الشباب ذكورًا وإناثا يحلمون بأن يكونوا أصحاب أعمال ولديهم السيارات والعقارات ويسافرون ويتمتعون بالحرية المالية، ولكن في الحقيقة إن الدخول إلى عالم ريادة الأعمال هو كدخول سباحٍ هاوٍ للسباحة في بحر هائج، وهو يعتقد في نفسه أنهُ يستطيع السباحة وركوب الأمواج والخروج سالمًا ويبقى هو والحظ فإما أن يخرج سالمًاوإما أن يغرق.

إنَّ الحماس والشغف وحدهما لا يكفيان لدخول مجال ريادة الأعمال فهو ليس بالأمر الهيّن بل لا بد لمن يرغب في دخول غِمار ريادة الأعمال من التسلح بالمهارات التي ستعينهُ على تحقيق أهدافهِ وتطلعاتهِ، وأنا شخصيًا يمرّ عليّ الكثيرون بحكم عملي ممن يودون دخول هذا المجال وعندما أتبادل أطراف الحديث معهم أجد بينهم الجاد ولكن يحتاج الأخذ بيدهِ، وأجد آخر من يرغب في الاستفادة من المميزات الممنوحة من قِبل مؤسسات الدولة والمخصصة لرواد الأعمال دون وجود عمل حقيقي خاصة لفئة المشاريع المتناهية الصغر والتي تحصل على التمويل بشروط ميسرة.

هنا لا بُد لمن يود الدخول في مجال ريادة الأعمال أولًا عليه القراءة والاطلاع على المجال الذي يرغب الدخول فيه حتى تتشكل لديه المعرفة الأولية، وفيما لو قرر مواصلة المشوار عليه ثانيًا دخول برنامج تدريبي يتعلم خلاله عددًا من المهارات كمهارة إدارة المشاريع وفن التفاوض التي سيحتاجها لاحقاً للتفاوض مع الموردين لأجل الحصول على أفضل الأسعار وكذلك دراسة السوق وتحديد شرائح العملاء ومهارة إعداد الموازنات وإدارة الحسابات. كما يتعين عليه معرفة خطوات إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية التي بدورها تعد خارطة طريق وتعلم مهارات معرفة المنافسين ومهارات التسويق، وهنا قد يتساءل القارئ، لماذا كل هذه المصاريف وهو لم يبدأ بعد أو أنه يدخل البرنامج بعد حصوله على الموافقة على التمويل، وهنا أجيب بأنه لا بد لمن يود الدخول إلى هذا المجال من اتخاذ قراره قبل الدخول حتى يُقيّم فكرة مشروعه من حيث الجدوى المبدئية أو يُغير فكرة المشروع لأنه قد يطلع على فرص أخرى أفضل، كما إن التعلم يمثل استثمارًا في الذات ولا يعد خسارة في كل الأحوال، ولأن أصرف مبلغا يسيرًا لأجل الحصول على المعرفة خيرٌ لي من أن أخسر كل شيء وأدخل في مديونيات لها ما بعدها.

كما يتوجب على من يود الدخول إلى عالم ريادة الأعمال اختيار مكتب خبرة موثوق لإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية التي تتضمن في الأصل عددا من الدراسات وعليه أن يشارك المختصين في إعدادها خاصة خلال مرحلة دراسة السوق وإعداد الاستبانات الاستقصائية التي ستعطي الدراسة بيانات فيها شيء من الواقعية تنعكس على مصداقية بياناتها أثناء مرحلة تشغيل المشروع، كما لا بد له من مناقشة الخبير في نوع البيانات الإحصائية ومصادرها ودرجة موثوقيتها لكي لا تكون دراسة الجدوى فقط لأجل الحصول على التمويل ومثل هكذا دراسات تفتقر إلى الأمانة والمهنية والمصداقية وبعدها يمشي رائد العمل في مشروعه على البركة مُعتمدًا على الفرص أو تجربة شخص كان قد سبقه على سبيل المثال، وعلى رائد العمل مراجعة كافة خطوات إعداد دراسة الجدوى بدقة متناهية حتى يفهم جيدًا التحدي الذي هو مُقبل عليه. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل عليه أيضًا التحقق من سلامة الدراسة الفنية التي تتضمن بين جنباتها أنواع الآلات والمعدات والأجهزة المطلوبة لتشغيل المشروع ومواصفاتها والخيارات الأخرى المتاحة منها وحتى حجم الجهد الكهربائي اللازم للتشغيل خاصة للمشاريع الصناعية لأن حجم الجهد الكهربائي يحدد مكان إقامة المشروع هل في منطقة صناعية متخصصة كالمناطق التابعة لمدائن (المؤسسة العامة للمناطق الصناعية) أو منطقة ورش التي تخضع إدارتها للبلديات التابعة لوزارة الداخلية، وهنا قد يستغرب البعض من ضرورة متابعة رائد العمل لأدق التفاصيل وذلك حتى لا يقع في فخ المفاجآت التي قد تكلفه الكثير مستقبلًا.

ومن الضروري جدًا التحقق من بيانات الدراسة الإدارية التي تتضمن الموارد البشرية اللازمة لتشغيل المشروع عند الانطلاق وخلال 5 سنوات لاحقة، وكتابة الأدوار والمسؤوليات لكل وظيفة، واقتراح نظام عمل آلي لإدارة الرواتب والحضور والانصراف والإجازات بكل وضوح، كما لابد من اعتماد سياسة أجور تعتمد على ما يحققه كل موظف في مجاله من عائدات إضافية للمشروع (Incentives)، ولابُد لرائد العمل من الاطلاع على الدراسة التسويقية المقترحة ومدتها والآليات المقترحة للتنفيذ وآليات تقييم طرق التسويق المستخدمة وقياس العائد والكلفة المناسبة لإطلاق حملة تسويقية وليس إعلان يتيم فقط. وهنا يتطلب من رائد العمل التعاقد مع شركة متخصصة لتصميم هوية المشروع وإطلاق حملته التسويقية، كما يتوجب عليه عدم إضاعة ماله على بعض مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي مع احترامي الكبير لهم واعلم بأنَّ المثل يقول (اعط الخبز لخبازه ولو أكل نصفه) حيث لكل تخصص أهله فالتسويق علم مستقل وهو يُدّرس على مختلف المستويات الأكاديمية وليس بمهارة فقط.

هل انتهينا إلى هنا؟ لا طبعًا فلدينا الكثير لنكمله في المقال القادم وذلك لأهمية الموضوع بالنسبة لرواد الأعمال أو لمن يودون دخول هذا المجال.