الإلحاد وكشف الغمة

 

ناصر بن سلطان العموري

 

"إني لأشكر عظيم الشكر الشعب العماني المسلم الأصيل بدوا وحضرا الذين وقفوا وقفة واحدة معارضين لبث الأفكار الهدامة والعقائد المسمومة التي فيها تطاول على الله وتحدٍ لسلطانه وشدوا أزر الندوة الموفقة التي أقيمت برحاب جامعة السلطان قابوس".. بهذه الكلمات وجَّه سماحة الشيخ الجليل أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان، شكره لكل من ساهم في إنجاح فعاليات ندوة "الإلحاد وحقيقة التوحيد"، والتي اختتمت مؤخرا في منبر العلم والثقافة جامعة السلطان قابوس.

وقد حذر سماحته في وقت سابق من خطورة ما يواجهه المجتمع وأجياله حينما قال "إن هذه الندوة تأتي من أجل مواجهة خطر من أعظم الأخطار التي تهدد هذا العالم الذي نعيشه، تهدد العالم لأن هذه الأخطار تهدد قضية مهمة في حياة الإنسان وهي قضية الإيمان والصلة بالله سبحانه وتعالى، فقضية الإلحاد يجب على كل إنسان أن يكون في مواجهتها بسبب ما يحيط به من أخطار".

كنتُ من المتابعين للندوة عبر الفضاء الافتراضي، بعد أن منعتني ظروف العمل عن الحضور الجسدي، وحقيقة أغبط من كان حاضرا واستفاد مما قُدم من أوراق عمل ثرية المضمون وعميقة المفعول، قدمها مشايخ أجلاء وعلماء أفاضل ودعاة مخلصون وطلبة علم نجباء، وكان الحضور من جميع الطوائف والأجناس كبيرًا، كما اتضح، وهو ما يدل أيُّما دلالة على أن وعي أبناء عمان على الطريق الصحيح وهم يبتغون وينشدون الأمن والأمان الفكري والعقائدي لأبنائهم في هذا العصر التقني المتلاطم الأمواج العقائدية والموجات الفكرية الهدامة.

 وحقيقة أرى أن هذه الندوة جاءت في وقتها تمامًا في ظل هذا العصر وما يشهده من متغيرات فكرية متسارعة ينبغي التصدي لها، لا سيما أنها باتت تمس أفكار جيل المستقبل وتسممه بكافة الطرق والاشكال. وأُثني على القائمين للندوة اختيار أوراق العمل بكل عناية ومواءمتها لقضايا العصر ومقدميها من مختلف الدول الذين طرحوا نفيس تجاربهم ومعتوق آرائهم في مواجهة الإلحاد وقضاياه بعدما اتضح انهم يشاركونا في التصدي لموجات الالحاد ولكل ما من شأنه زعزعة الإيمان، فالهمّ مشترك، ومن هنا يجب الالتفات لتحصين الجيل القادم من الوقوع في براثن الإلحاد من خلال مواقع التواصل والتي تعد بيئة خصبة لمثل هذه الأمور. ولا يتأتى هذا التحصين إلا من خلال تقوية دور الأسرة والعمل على توعية أبنائها للحذر من هذه الأفكار السامة ومراقبة إن كان ثمة تغيير في سلوكياتهم وأمور دينهم من خلال الحوار البناء معهم فالتنشئة الصحيحة لها دور في عدم تقبل هذه الأفكار والقضاء عليها في مهدها، كما إن أسلوب التعليم بشكل عام يجب ان يتغير من الحفظ الدارج الآن كأسلوب في المدارس، الى  الفهم العقلاني  وخصوصًا فيما يتعلق  بالدين. ومن الضروري توسعة دائرة الحوار مع جيل اليوم والاجابة على اسئلتهم في العقيدة من قبل المربي أو المعلم الذي يجب أن يكون متمكنًا متمرسًا لا أن يتهرب من الإجابة، مما قد يتسبب في توليد حالة من الشك الفكري لدى المتلقي.

هذا ما يقودنا الى تحديث المناهج الدراسية في المؤسسات التربوية سواء تلك التابعة لوزارة التربية والتعليم أو تلكم التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار من خلال مناهج تربوية تدرس في المدارس والكليات والجامعات تنور الطلبة باختلاف مستوياتهم التعليمية وتشرح لهم عما يمكن أن يواجهونه في مسيرة حياتهم المقبلة من أفكار دسيسة خبيثة تحرض على الإلحاد وزرع أفكار عقائدية مشوهة هدفها تراجع القيم وتقهقر الدين وذلك من خلال التلبس برداء الحداثة وثوب التطور وعمامة العلم.

علينا الحذر وبوعي من التقنية عندما تكون بين أيدي أبنائنا وهي ليست الوسيلة الأهم للتربية كما يعتقد البعض وهذا ما حذر منه عاهل البلاد المفدى جلالة السلطان هيثم بن طارق في إحدى خطبه في يناير الماضي من هذا العام حينما قال "إن تربية الأبناء لا تتم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بل هي جزء من أصل المجتمع العماني، وأنه عندما يتشرب أبناؤنا عاداتنا وتقاليدنا والتمسك بالأسرة والمجتمع يتحقق نجاح المجتمع كما أن التقنيات الحديثة وُجدت لخدمة البشرية، لكننا مع الأسف نستغلها بطريقة سلبية جدًا، وقد أثّرت على النشء، ليس في بلدنا وحسب ولكن في جميع أنحاء العالم".

وختامًا.. جاءت ندوة "الإلحاد وحقيقية التوحيد" لدق ناقوس الخطر مما يمكن أن يواجه المجتمع وأبناءه من خطر دفين داهم عبر موجات إلحادية منظمة، هدفها خبيث وغرضها دنيء، يجب التصدي لها عبر مشايخ العلم وعلماء الدين وأصحاب الفكر المستقيم والقلم المبين ولكل غيور على حرمة الدين من الغزو الفكري القادم عبر أفكار شيطانية؛ فالانحلال الفكري أشد وقعًا وخطرًا على المجتمع من الانحلال والفساد الأخلاقي.

سلم الله عُمان وسائر بلاد المسلمين من شر الأخطار.