أهمية الدراسات الإكتوارية

 

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

 

في الحقيقة قد يكون البعض سمع بالدراسات الإكتوارية؛ فالعلوم أصبحت متاحة في عصر الإنترنت، وقد يكون هناك آخرون لم يسمعوا بها ويجهلون أهميتها ومتى يتم إجراؤها ولماذا تجرى، وما هي فوائدها، وأي من الجهات تستفيد من نتائجها، وكيف تقام هذه الدراسات؟

تُعرّف الدراسات الإكتوارية على أنَّها دراسة إحصائية ومالية تُجرى لأجل تقييم الوضع المالي والمخاطر المحتملة لدى قطاعات التمويل والتأمين وأنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية، وذلك بغرض الوقوف على مدى مقدرة هذه الأنظمة على الوفاء بالتزاماتها المستقبلية تجاه عملائها والمشتركين لديها، من عدمه. وتتم هذه الدراسات وفقا لمتطلبات تشريعية؛ حيث تجرى بصفة سنوية في قطاعات التأمين. أما أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية فتقوم بإجراء هذه الدراسات خلال فترة بين 3 إلى 5 سنوات بهدف قياس الملاءة المالية وفقًا لما حدده القانون، وخلاف ذلك فإنَّ الدراسات الإكتوارية تجرى أيضًا عند تصميم أي نظام تقاعدي جديد أو عند رغبة الحكومات في إدخال تعديلات على نظام تقاعدي قائم.

وبما أننا مقبلون خلال الفترة المقبلة على عملية دمج كبيرة لصناديق التقاعد والتي ستتحول إلى مشروع وطني كبير وهو صندوق الحماية الاجتماعية، سنركز في مقالنا هذا على أهمية الدراسات الإكتوارية لصناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية. لماذا؟ لأن صندوق التقاعد أطلق وعدًا لمشتركيه بأنه سيصرف معاشات تقاعدية مستقبلًا وفقاً لشروط محددة سلفًا، وبالتالي لابُد لإدارة الصندوق من معرفة حجم الإمكانيات المتاحة ومدى مقدرة الصندوق على الوفاء بالتزاماته الحالية والمستقبلية، وعلى هذا الأساس وبناء على نتائج الدراسات الإكتوارية تتخذ الصناديق التدابير اللازمة التي تساعدها على الديمومة وتضمن الوفاء بالالتزامات تبعاً لما نصح به الخبير الإكتواري معد الدراسة.

ولأنَّ صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية تطبّق فروعًا محددة من التأمين، كتأمين مخاطر المعاشات والمنح والمكافآت، ومخاطر إصابات العمل والأمراض المهنية، فهي بذلك تلتزم بصرف منافع مستقبلية ليس بمعلوم وقت استحقاقها إلا عندما يتحقق الخطر، وبالتالي فإن وقت تحقق هذا الخطر ليس بمعلوم. ومن هنا تأتي أهمية إجراء الدراسات الإكتوارية لتوقع متى بالإمكان يتحقق الخطر وتقدير قيمة المنفعة وتحديد نسب التمويل العادل اللازم لها، وتقترح من سيتحمل كلفة التمويل، وما المدد الزمنية اللازمة في الأصل لتمويل منفعة معينة. وفي الغالب فإنَّ صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية تدفع منافع لسنوات طويلة جدًا للمشترك خلال حياته كمعاشات التقاعد (شيخوخة / عجز) ثم تتحول بعد ذلك بذات القيمة لأسرته بشروط محددة وقد يستمر الصرف لـ30 أو 40 سنة مستقبلاً.

ولأن صناديق التقاعد تعتمد على الإيرادات بمختلف جوانبها وتعمل على تعظيمها فإن من أهم مصادر الإيرادات لديها الاشتراكات التي تؤديها جهات العمل أو المشتركين في نظام العاملين لحسبهم الخاص ومن في حكمهم لدى التأمينات الاجتماعية، وفي كل الأحول فإن هذه الاشتراكات مرتبطة بحجم التوظيف ومدى توفر فرص العمل ونمو الاقتصاد بشكلٍ عام، كما أن لارتفاع الأجور دور مهم في زيادة إيرادات الاشتراكات وجميع هذه العناصر والعوامل موجودة لدى أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية وهي غير معلومة في الحقيقة ومن هنا أيضًا تأتي أهمية إجراء الدراسات الإكتوارية لأجل إيجاد قيم لهذه العناصر.

وفي جميع الأحوال فإنَّ أنظمة التقاعد هي أنظمة تأمينية وجدت لتوفير الحماية تجاه مخاطر محددة والتي تتطلب توفر ملاءة وقدرة مالية طويلة الأجل وذلك لضمان استمرار ديمومة النظام التقاعدي ولا يتحقق ذلك إلا بوجود حسابات دقيقة جدًا توفر البيانات والمؤشرات التي تؤكد إمكانية التزام الصندوق بالوفاء بالتزاماته الحالية والمستقبلية تجاه المشتركين لديه، وهذا تحديداً هو دور الدراسات الإكتوارية.

أما كيف يقوم الخبير الإكتواري بإجراء الدراسة الإكتوارية؟ فهذا الأمر متشعب جدًا ويتطلب شرحه مساحة كبيرة، ولكن في كل الأحول يُركز الخبير الإكتواري أثناء إجراء الدراسة على البيانات الديموغرافية للبلد؛ كالتوزيع العمري للسكان والتوقعات المستقبلية وكذلك التوزيع العمري للمشتركين بالصندوق (أعضاء النظام) وجداول الوفاة والإخصاب والهجرة، ويركز أيضًا على البيانات الاقتصادية للبلد كالناتج المحلي وحجم النمو الاقتصادي والأجور والتضخم ونسب الفائدة وأسواق المال، كما يركز كذلك على البيانات الإدارية والمالية، كالإطار القانوني للنظام التقاعدي وتفاصيل أنواع المنافع وشروط استحقاقها والتقارير المالية وقوانين الاستثمار وبعض الإجراءات الإدارية، ويستخدم في ذلك قوالب رياضية وإحصائية للخروج بنتائج وتوصيات يقدمها لإدارة صندوق التقاعد. وللعلم فإن إجراء الدراسات الإكتوارية يستغرق بين 6 أشهر إلى سنة في بعض الأحيان، وذلك يعتمد على حجم الأعمال والبيانات. ولا تنتهي المسألة بإنتهاء الدراسة الإكتوارية؛ بل ينتدب صندوق التقاعد عند إنتهاء الدراسة مُقيِّمًا خارجيًا من أجل الوقوف على المخرجات والقيام بتقييم شامل للدراسة ونتائجها، وذلك لضمان دقة المخرجات لما لها من أهمية بالغة بالنسبة لصندوق التقاعد من جهة وللدولة من جهة أخرى كونها هي الراعية والضامنة لهذا الصندوق.

ولا بُد من الإشارة إلى بعض المصطلحات المتداولة ضمن الدراسات الإكتوارية ويعرفها جيدًا أغلب العاملين لدى صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية وهي على سبيل المثال لا الحصر:

- الأصول: وهي موجودات صندوق التقاعد.

- الالتزامات الإكتوارية: وهي الاستحقاق المالي المُقدّر إكتواريًا على الالتزامات المتراكمة للنظام حتى تاريخ الدراسة.

- العجز/ الفائض الإكتواري: وهو الفرق بين الالتزامات الإكتوارية والأصول.

- الافتراضات الإكتوارية: وهي تقدير لمدخل متغير غير مؤكد في الحسابات والنماذج الإكتوارية.

- نسب الاشتراكات العادلة: هي قيمة الاشتراكات التي تعادل الكلفة المقدرة لنظام التقاعد.

وختامًا.. فإن من سنن الله تعالى في الكون أن يأخذ العبد بالأسباب كما أمر بذلك ربنا تبارك وتعالى ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وما قيام صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية بإجراء هذه الدراسات إلا لضمان ديمومتها ووفائها بالتزاماتها تجاه المشتركين لديها، لما لذلك من أهمية للدولة تضمن توفر حياة كريمة للشرائح من المواطنين وأسرهم المشتركين إلزاميًا أو اختياريًا لدى صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية.