وحدة التحفيز

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

ارتدى زي رجل العنكبوت، وجاب شوارع أسوغيو بنيجريا للمساعدة في تنظيفها من النفايات، لم يستعن بلافتات ارشادية للحث على نظافة البيئة، أو شارك في برنامج توعوي أو مؤتمر، أختار ان يكون قدوة بطريقته الخاصة، في زي رجل خارق محبوب، ينقذ البيئة من سطوة الانسان!

هكذا أراد خبير البيئة النيجيري جوناثان أولاكونلي، تحفيز المجتمع لتغيير السلوك. لا يمكن الجزم ان استجابة الجميع واحدة، فالبشر مختلفون عند استجابتهم للمواقف المختلفة بين سلبي وايجابي، وبعض السلوكيات السلبية تحتاج إلى دوافع قوية للتغيير،هذا ما توصل إليه العلماء في العقود الماضية عند دراسة سيكولوجية اتخاذ القرار.

في السابق، كان العلماء ينظرون إلى عملية اتخاذ القرار، على انها عملية تتم بعقلانية ويمكن التنبؤ بها، اعتقادًا منهم بأنها غير مبنية على المشاعر، أما بعد الكساد الكبير الذي حدث عام 1929 تغير كل شيء وتنبه العلماء إلى أهمية مراعاة الجانب النفسي والأحاسيس والمشاعر،عند دراسة سيكولوجية اتخاذ القرار عند الجمهور، وترى الدراسات السلوكية الحديثة ان البشر قد يكونوا متسرعين ويتأثرون ويتحيزون حين يتخذون القرارات، ويقعون تحت تأثير مؤثرات من البيئة التي تحيطهم،وقد يتخذون قرارات خاطئة، وأخرى عاطفية قد تكون مضرة للجميع.

وقد اكدت الدراسات أن الناس يتخذون قرارات تلقائية غالبًا، لا سيما في مجالات المال والصحة دون دراسة الخيارات الآخرى؛ فالصور النمطية التي شكلتها خبراتهم، تعد المرشد لاتخاذ قرارت مريحة.

استحقت نظرية الدفعة أو الترغيب للسلوك الاقتصادي جائزة نوبل للاقتصاد لصاحبها ريتشارد ثايلر، وتبنتها بعض الحكومات كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة بإنشاء وحدات للتحفيز أو ما يعرف بالرؤى السلوكية للمواطنين. وتتلخص نظرية ثايلر في أن الجمهور يمكن توجيههم، بهدف تغيير سلوكياتهم بتطبيق سياسات غير ملحوظة، لا تصادر حرياتهم في الاختيار، وهندسة الخيارات المتاحة أمامهم، يشجعهم على اتخاذ قرار يتوافق مع مصلحة المجتمع،و تتحول مع الوقت إلى عادة مجتمعية.

وتقوم النظرية على فكرة أن تغيير السلوك عادة تكون نتيجة تأثير خارجي على الفرد من الوسط الاجتماعي أو الاقران، حيث يميل الانسان إلى تقليد من يشبهونه أو يتخذهم قدوات.

هذا يفسر تراجع تأثير البرامج التوعوية ذات نمط كلاسيكي والخطط المترجمة للسياسات والقوانين التي أهملت فهم السلوك الانساني عند تحويلها إلى مشروعات وبرامج تستهدف المجتمع.

حققت الدول الآسيوية تقدمًا في هذا الجانب، قبل ظهور النظرية بسنوات فتجربة سنغافورة في تجريم تناول أو بيع العلكة غير من سلوك المجتمع، وتجربة ماليزيا في تبني فكرة دورات تدربية واستشارات أسرية، للمقبلين على الزواج كشرط للحصول على رخصة الزواج، قلل من نسب الطلاق لأسباب تافهة بين الشباب. وعندما رأت الحكومة اليابانية تغيُّرًا في سلوك اطفال المدراس وغياب تواصلهم مع ذويهم وتزايد المشكلات الأسرية والجرائم، اهتمت بتدريس مادة الأخلاق.

أما اوروبا فإنها تشن حربًا جديدةً على السعرات الحرارية والسمنة التي تغزو العالم؛ حيث ستقوم المملكة المتحدة اعتبارًا من اكتوبر بحظر العروض الترويجية المتعددة على الاطعمة والمشروبات التي تحتوي على نسب عالية من السكريات والدهون، وستقنن الإعلانات التلفزيونية للسلع غير صحية بحلول العام المقبل.

كما استطاعت مصر تبني فكرة تحفيز اسر محدودي الدخل على الإندماج في سوق العمل، بمشروعات انتاجية وحرفية بسيطة بدلًا من الاعتماد على المساعدات من الجمعيات وأهل الخير، وحفزت الجمعيات الخيرية في توجيه المساعدات في بناء ورش تشغيل ووحدات انتاجيه، لمساعدة المحتاجين والاستثمار في مشروعات تخدم الفئة الفقيرة.

ومن التجارب الجديرة بالذكر، تجربة الصين في تقليل الهجرة من المناطق النائية وتوطين السكان بمناطقهم، فقد قامت بتحفيز المجتمعات النائية والريفية الاكثر تضررًا من الجائحة، ودعمت تحويل المنازل الخاصة إلى نزل سياحية محلية يمتلكها الافراد، وساعدت في تطوير الصناعات البسيطة للسكان بالاستعانة بخبراء ومدربين متخصصين. كما ساهمت في الترويج للصناعات البسيطة والمحلية للأسر المنتجة، عبر المنصات الالكترونية، إضافة إلى دعم مبيعات المناطق الفقيرة والريفية.

نحن كمجتمع نعاني من الغلاء، وارتفاع الأسعار مع انخفاض متوسط دخل الاسرة،وتزايد في عدد الباحثين عن العمل سنويا. ألا يمكن ان تكون هناك برامج تحفيزية لزيادة دخل الاسرة،وتقدم تسهيلات للأسر المنتجة، وتدعم منتجاتهم وخدماتهم.. ألا يمكن تحويل الأحياء والبيوت القديمة إلى نقاط جذب سياحي، تستقبل السياح بمستوى آخر من الخدمة السياحية، توفر بيوتا للضيافة ووجبات عمانية أصيلة قبل أن تندثر ثقافتنا مع موجة التمدن.

ثمّة قضايا كثيرة تحتاج لحلول مبدعة وعملية، كقضية الديون والإسراف على الكماليات وهدر الغذاء، والطلاق بين حديثي الزواج، ورمي النفايات والإضرار بالبيئة. كذلك ثقافة العمل والإدخار، واللياقة الصحية والنفسية.

إن توجيه المجتمع نحو خيارات المناسبة لحل المشكلات الإقتصادية والمجتمعية، كشركاء في التقدم والغاية منها، تتم مع تبني الحكومات نظرية الترغيب أو الدفع، وانشاء وحدة التحفيز والرؤى السلوكية تترجم السياسات الاقتصادية والمجتمعية الحكومية، إلى خيارات متوافقة مع الصالح المجتمعي، يشارك في صناعتها علماء السلوك والاجتماع، والنفس بجانب خبراء متخصصين في المجال يرسمون خارطة الانجاز، واحتمالات وفرضيات لردود الأفعال والخطط البديلة تجنبًا لفشلها واهدار الوقت والمال.

** كاتبة وباحثة عمانية