سياحتنا الوطنية

 

 

د. سلطان بن خميس الخروصي

sultankamis@gmail.com

 

"اقترحوا لنا مكانًا نذهب إليه في الإجازة" هو عنوان المرحلة المقبلة ونحن على أعتاب الإجازة الصيفية، والسؤال الذي نطرحه بكل شفافية ومصداقية: ما الذي أعددناه سياحيًا؟

إنِّه موضوع قديم حديث يطرح تساؤلات عديدة، ويرسم علامات استفهام كبيرة عن غياب هذا الرافد الاقتصادي والثقافي والحضاري الكبير للبلاد ونحن في عمق التنمية السياحية العالمية. وبلغة الأرقام عن واقعنا العُماني فإن الاستراتيجية الوطنية للسياحة ووفقًا لرؤية "عُمان 2040" تستهدف استقطاب أكثر من 11 مليون سائح دولي ومحلي؛ على أمل تحقيق عائد إضافي رافد للدخل القومي بما نسبته 6- 10%، علاوة على تأسيس 14 مدينة سياحية متكاملة وبمقاييس عالمية، إلا أن الكتاب الإحصائي السنوي الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات للعام 2019؛ أي قبل تفشي جائحة كورونا وقصم ظهر السياحة العالية، قد أشار إلى أنَّ السياحة الوطنية لم تتجاوز نسبة مساهمتها في الناتج المحلي أكثر من 2.5%، وهي وفق المؤشر المعياري تعد نسبة منخفضة جدًا، كما إن موقع السلطنة ضمن الدول السياحة المرغوب فيها عالميًا حسب التقرير الخاص بالتنافس للسفر والسياحة- الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والمعني بقياس سياسات الدول في تطوير هذا القطاع وتذليل الصعاب لتعزيزه وتقويمه وخلق البنية التحتية- قد كشف عن حصول السلطنة على المرتبة الـ(58)، وقد تراجعنا في هذا المؤشر في العام (2022) وفقا لتقرير منظمة السياحة العالمية لنكون في المرتبة 80 عالميا و10 عربيا!

مما تقدم.. يتبيّن لنا حجم الفاقد السياحي الذي تعيشه البلاد، وقوة الحاجة لمتخصصين في هذا القطاع الاستراتيجي، وفتح البلاد للاستثمار الحقيقي غير المشروط والبعيد عن النمطية والمثالية، فلسنا بحاجة لاستذكار ما حبا الله عُماننا الطيبة من جماليات البلاد والعباد، فنحن نملك ما يمكنه أن يجعل وطننا مقصدًا عالميًا كبيرًا، ورقمًا سياحيًا قويًا، فنحن نملك الخطط والاستراتيجيات طويلة المدى لكننا نفتقد لآليات تطبيقها ومراجعتها وتقويمها، وليس مشروع المدينة الزرقاء ببعيد عنَّا، فنحن نملك التنوع الجغرافي والديمغرافي لكننا نفتقد إلى انتقاء الأشخاص المناسبين في الموقع المناسب، نحن نملك الروافد المالية البسيطة التي يمكنها أن تنجح في خلق مشاريع سياحية جميلة جدًا ومردوها وفير وعالٍ، لكننا نبذخ مصاريف استنزافية تهلك ميزانية الدولة ويتحمل المواطن تباعتها غير الناجحة في قادم الوقت، نحن نملك الفلاسفة والمُنظِّرين والمُخطّطِين والورش والبرامج والندوات، لكننا نفتقد هندسة فريق العمل لترجمة أفلاطونيات ما تقدم.

العالم الحالي يتحدث بلغة السياسة والاقتصاد، والتزاوج بينهما أزلي متجدد فمن منهما يدفع بالآخر نحو الازدهار والنماء، وفي وطننا الأنيق نمتلك فلسفة سياسية قويمة وحكيمة توارثتها السلطة السياسية جيلًا بعد جيل، فأرخى ذلك سدول السلام والوئام والتآلف على الناس وحياتهم اليومية. وهنا مربط الاستثمار الحقيقي لإعادة هندسة السياحة الوطنية، نحن بحاجة إلى إعادة هيكلة القطاع السياحي العماني من المربع الأول ليكون متنفَّسًا عالي الجودة للناس، يعكس المدنيَّة والحضارة بكل تفاصيلها، ويحتفظ بأموال المواطنين وجهدهم ولمِّ شمل أسرهم في أوطانهم بما يتوافق وعظمة هذه الأمة وإنجازاتها التاريخية الخالدة.

ونختم بما بدأنا به مقالنا ونطرح سؤالنا للمعنيين عن هذا القطاع: ما موقعنا من الإعراب سياحيًا؟

ودمتم بود،،،