التقريب بين المذاهب الإسلامية

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

من أهم المواضيع التي شغلت العالم الإسلامي فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وهي فكرة جاءت في الأساس من الفكر الإسلامي الأصيل وأقرها العقل البشري وانتهت إلى التجارب الحقيقية بين المُسلمين أنفسهم.

ويعترف أهل الحكمة والدراية اليوم أنه لا يوجد حل آخر لجمع البشرية تحت مظلة الإسلام العظيم إلا من خلال تطبيق فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، فهي فكرة جميلة تُعد الخيار الإستراتيجي للوحدة بين المُسلمين، وليست هي عملية تكتيكية لإبراز مذهب دون آخر.

اليوم ومع كل الأسف هناك من المشككين الذين يشككون في أهمية التقريب بين المذاهب الإسلامية، مما سبب ازديادا في بقعة الخلاف بين المسلمين، وهذا ما لا يقبله العقلاء ولا الحكماء؛ بل ولا يقبله الإسلام الحنيف، الذي أراد من الأمة أن تجتمع على الخير وأن تكون أمة واحدة مُتحدة، سلاحها المحبة والمودة والترابط بين أفرادها. وقد ذكر أحد المهتمين من الرواد في الدعوة إلى أهمية التقريب في أحد بياناته قائلًا: "التقريب ليس فيه تذويب، ولا ‏تغليب ولا تركيب ولا تسريب وإنما هو تقريب بين المذاهب الإسلامية".

وهناك من يظن أن التقريب بين المذاهب الإسلامية يعني أن يذوب كل مذهب في الآخر، وهذا ليس صحيحًا إطلاقًا، فلا يعني التقريب بين المذاهب أن يتشيع السني أو يتسنن الشيعي، فذاك لا يمكن، خصوصًا إذا كان كل طرف مقتنعًا بمعتقداته الخاصة به، لذا ينبغي تجنب الخوف من فكرة التقارب المذهبي في داخل المجتمع الإسلامي؛ لأن ذلك لن يؤدي حتمًا إلى ذوبان مذهب أو انتهاء مذهب؛ بل سيجعل من الأمة الإسلامية متقاربة ومتحابة ومتراصة، بعيدة عن العنف والكراهية والشحناء والبغضاء فيما بينها.

وكم أعجبني كثيراً ما دعا إليه جمع من علماء الأمة العربية والإسلامية حول أهمية التقارب بين المذاهب الإسلامية وهنا أذكر منهم:

  • أولًا: سماحة العلامة الكبير الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عمان، ومن خلال حوار عبر قناة "الميادين"، عندما سأله المحاور: أنت باركت قضية التقريب بين المذاهب الإسلامية كثيرًا، وأشرت إلى مفكرين إسلاميين معاصرين، كمحمد باقر الصدر، وقلت إنَّ القراءة للآخرين توسِّع الأفق، هل آن الأوان أن نحدث نقلة في التقريب بين المذاهب الإسلامية، لنذهب في نهاية المطاف إلى جمع شمل العالم الإسلامي؟ فأجاب سماحته: "نحن نؤيد هذا الأمر، من أول الأمر نحن وضعنا أيدينا بأيدي الذين يسعون إلى التقريب، ونتمنى أن يتحقق ذلك، ونتمنى أيضًا إخلاص النيات لهذا الأمر، وألا يكون التقريب شعارًا يُرفع، وإنما يكون رسالة تُؤدى بين الأمة".
  • ثانيًا: المرجع الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني؛ حيث نشر على موقعه الرسمي بيانًا مُهمًا حول أهمية التقارب بين المذاهب الإسلامية، ابتدأه بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، ثم قال في البيان: "ينبغي لكل حريص على رفعة الإسلام ورقي المُسلمين أن يبذل ما في وسعه في سبيل التقريب بينهم، والتقليل من حجم التوترات الناجمة عن بعض التجاذبات السياسية، لئلا تؤدي إلى مزيد من التفرق والتبعثر وتفسح المجال لتحقيق مآرب الأعداء الطامعين في الهيمنة على البلاد الإسلامية والاستيلاء على ثرواتها".
  • ثالثا: العلامة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو لجنة التقريب بين المذاهب الإسلامية الذي أكد أنَّ جهود التقريب بين المذاهب الإسلامية لم تفشل ولكنها تتوقف أحياناً لظروف خارجة. كما بيّن أن مؤسسة الأزهر الشريف هي التي بدأت بالتقريب، والدليل هو أن جامعة الأزهر ما زالت تدرس المذهب الشيعي والزيدي وغيرها من المذاهب الاسلامية.

وعلى ضوء ذلك، فإن من الواجب الشرعي والاجتماعي اليوم لحماية الإسلام من كيد المعتدين هو أن يتكاتف أهل القبلة أينما كانوا في العالم؛ ليتخذوا بكل قوة وعزيمة واصرار قرارًا واضحًا، وهو الدعوة إلى الوحدة الإسلامية والتعايش السلمي بين المكونات الإسلامية، من خلال الحث على التقارب المذهبي بين المسلمين، كما فعل ذلك المسلمون سابقًا في أنحاء العالم الإسلامي، والذين أكدوا أنهم يسيرون على نهج نبيهم المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكانوا متحابين متراصين متعايشين بينهم نابذين الفرقة والكراهية والإساءة التي تصدر من هنا وهناك.

كما يجب أن يعلم الجميع أن الإساءات التي تصدر من هنا وهناك حتما ستترك آثارًا سلبية على الجميع؛ بل وستنسف جهود المخلصين الأخيار الذين يسعون دومًا جاهدين لرفع شعار التقارب بين المذاهب الإسلامية بهدف نشر المحبة والمودة والتفاهم بين المكونات الإسلامية في العالم أجمع ونبذ الإساءة والكراهية للغير، والعمل المشترك لأجل قضايا مصيرية تهم العالم بأسره.

وأخيرًا.. يقول المولى في محكم التنزيل: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون" (سورة آل عمران: (103.