الحياد الإستراتيجي

حاتم الطائي

◄ عُمان قبلة الباحثين عن الاستقرار والساعين نحو السلام الحقيقي

◄ الحياد الإستراتيجي لعُمان يدعم جهود إحلال السلام والتفاهم والوئام في العالم

◄ عُمان تمارس أدوارها الدولية بكل مسؤولية وإخلاص وتجردٍ

 

تتسم التوجهات الإستراتيجية للدول بالاستدامة والتقيد التام بها، والتمسك الشديد بتفاصيلها ومُجرياتها، مهما بلغت الضغوط، ومهما وصل مستوى التحديات؛ حيث تظل السياسات الاستراتيجية الموجهة لصانع القرار لا تتبدل، ولا تتغير، طالما أنها تحقق المصلحة الوطنية العليا وتُفضي إلى النتائج المرجوة والأهداف المنشودة.

ولقد ظلت عُمان طيلة عقود النهضة الحديثة، سواء في فتراتها السابقة أو خلال مرحلتها الراهنة المُتجددة، تمضي وفق سياسات خارجية واضحة المعالم، تتقدم نحو الأمام على أسسٍ من الإدارة الحكيمة والرؤية السديدة، من مُنطلقات وطنية خالصة، لا ترى في أهدافها سوى تحقيق الصالح الوطني، وأهداف التَّعاون البناء والشراكة مع الدول الشقيقة والصديقة. هذه السياسات الرصينة منحت وطننا العزيز مكانة دولية مرموقة، تستند في جوهرها على مفهوم الحياد الاستراتيجي، الذي يُعد خيارًا ممتدًا، وليس سياسات مُؤقتة تحقق أهدافًا بعينها، وهو الأمر الذي منح عُمان ثقة دولية لا تُضاهى، دفع الجميع إلى النظر نحو عُمان باعتبارها قِبلة للسلام، وكعبة للساعين نحو حلحلة القضايا الخلافية والتوصل إلى الحلول الوسط، فضلًا عن القناعات الراسخة بدور عمان الرائد والموثوق في القيام بجهود إنسانية بحتة، وعلى رأسها إطلاق سراح المحتجزين من رعايا بعض الدول لدى دول أخرى.

هنا نحن لا نتحدث عن بلدٍ ينأى بنفسه وحسب عن الصراعات والحروب والتوترات ويكتفي بذلك؛ بل يُمارس دوره الدولي والأممي المسؤول وفق مُقررات الشرعية الدولية وبما يمليه عليه الضمير الإنساني، فابتعاد عُمان عن نقاط الصراع وبؤر التوتر وميادين الحروب حول العالم لا يمنعها من القيام بأدوارها المنوطة بها، لإحلال السلام ونشر الوئام والتسامح بين الشعوب. وفي هذا الجانب، فإنَّ الدبلوماسية العمانية ممثلة في وزارة الخارجية- صرح الدبلوماسية الشامخ- وسفارات السلطنة في مختلف دول العالم، إلى جانب جهود المؤسسات الأخرى، تُساهم في نشر قيم السلام والوئام والتفاهم، سواء من خلال المؤتمرات التي تُشارك فيها وتؤكد خلالها على هذه القيم وتدعو العالم لتبنيها والتمسك بها، أو عبر الإسهامات النوعية لسلطنة عُمان في المنظمات الدولية ذات الصلة بصناعة السلام، وغير ذلك الكثير، مما يُؤكد أن الجهود العمانية الرامية لإحلال السلام في المنطقة والعالم لم تتوقف يومًا؛ بل ظلت مُتواصلة وما زالت.

إذن هذا الحياد الإستراتيجي يدعم تحقيق الأهداف النبيلة لنزع فتيل التوترات في مختلف المناطق حول العالم، لا سيما تلك المرتبطة بأمننا القومي، وأمن منطقتنا، وما الجهود العمانية في الملف النووي الإيراني غائبة عن أحد اليوم، حتى بعد انهيار اتفاق القوى العالمية مع إيران، لم تتوقف المساعي العُمانية لدعم تماسك هذا الاتفاق؛ لأنه السبيل الأوحد والأضمن لمنطقة شرق أوسط خالية من أي تهديد نووي غير سلمي. والحال لا يختلف في بلدان أخرى، مثل اليمن، فهذا الجار والشقيق المُتاخم لحدودنا الجنوبية، يُواجه الكثير من التحديات نتيجة لتصاعد التوترات والصراع هناك، لكن الدبلوماسية العمانية القائمة على مبدأ الحياد، لم تتوانَ يومًا عن مد يد العون لجميع الأطراف، من أجل أن يعُم السلام ربوع اليمن، والأمثلة في هذا الجانب مُتعددة لا يتسع المقال لذكرها.

ولعلَّ المثال الأكثر وضوحًا الآن في ظل ما يُواجهه العالم من مخاطر وتحديات قد تضعه على حافة الخطر غير المسبوق، ما يحدث من صراع بين روسيا وأوكرانيا؛ حيث التزمت سلطنة عُمان الحياد التام، والنأي بالنفس عن الدخول في أتون أيِّ صراع لا يخدم البشرية، مستندةً في ذلك على تاريخ ممتد حافل بالحياد وعدم التَّحيز لصالح دولة على حساب أخرى؛ بل كان القرار الإستراتيجي في هذا الجانب الوقوف في المنطقة المحايدة، لا مع هؤلاء ولا ضد أولئك، فهذه هي الدبلوماسية العُمانية الرصينة، القادرة على السير وسط الأشواك بكل حرص ودقة.. دبلوماسية تستطيع أن تُؤدي دورها في المجتمع الدولي بمسؤولية وإخلاص وتجردٍ لا تبتغي أهدافًا سوى السلام، ولا ترتضي بنتائج غير تحقيق مصالح الشعوب والأمم.

ويبقى القول.. إنَّ تبني مبدأ الحياد الإستراتيجي من شأنه أن يدعم جهود إحلال السلام في العالم، ويحقق الأهداف الوطنية التي من خلالها ينعم المواطن العماني بالرخاء والأمن والاستقرار، فمع هذا الحياد لا مجال مطلقًا لقرارات غير نافعة، أو تحزّبات تفرِّق ولا تجمع، فالسلام والوئام والتَّفاهم وبناء جسور الثقة والتعاون المُثمر ستظل كلها قيمًا حاكمةً في دبلوماسيتنا المحايدة الراسخة في بُنياننا الوطني الشامخ.