توقعات اقتصادية

حاتم الطائي

◄ توقعات نمو اقتصادنا الوطني تؤكد نجاعة الإجراءات المتخذة لتحقيق التعافي وتجاوز التحديات

قادرون على تسجيل نمو اقتصادي يتماشى مع الأهداف المرحلية والمستقبلية

الاقتصاد العالمي يواجه تهديدات عدة نتيجة التضخم والحرب في أوكرانيا

 التوقعات الاقتصادية في مُختلف دول العالم ليست ضربًا من التنجيم أو الاطلاع على الغيب؛ بل دراسات علمية قائمة على الأدلة والبراهين، للوصول إلى نتائج مُحتملة وفق نظريات علمية تتبع منهجًا استشرافيًا، وتهدف إلى تبصير صُنّاع ومُتخذي القرار بالمستجدات المُرتقبة خلال المستقبل، القريب منه والبعيد، وقبل أيام صدر تقريران مهمان؛ الأول لصندوق النقد الدولي والثاني لصندوق النقد العربي.

في واقع الأمر أن التقريرين يرسمان مسارات مختلفة لمستقبل الاقتصادين العربي والدولي، أما فيما يخص الاقتصادات العربية، فقد تطرق التقريران إلى استفادة الدول العربية المصدرة للنفط من ارتفاع أسعار الخام، ومن ثم انعكاسات ذلك على المالية العامة لهذه الدول، لكنه أيضاً أشار إلى الأخطار التي قد تنجم من ارتفاع المديونيات، رغم الجهود الحكومية المبذولة لتقليص الدين العام بالتوازي مع خفض العجز المالي، الذي يُجبر الحكومات على الاقتراض.

ومثال ذلك ما ذكره صندوق النقد العربي حول توقعاته لنمو اقتصادنا الوطني في عُمان؛ إذ تقول التقديرات إنَّ معدل النمو لن يقل عن 3.5% خلال عام 2022 والعام المُقبل أيضًا، معللًا ذلك بزيادة الإيرادات العامة بفضل ارتفاع عوائد النفط الذي يحافظ على مستوى أعلى من 95 دولارًا منذ أسابيع، وأعلى من مستوى 105 دولارات خلال الأيام القليلة الماضية. أيضًا كان لخطط التحفيز الاقتصادي التي أعلنتها حكومتنا الأثر الكبير في زيادة التفاؤل بمستقبل الاقتصاد العماني، سواء فيما يتعلق بإضافة مخصصات جديدة للإنفاق العام أو تخصيص مبالغ لتنمية المحافظات (20 مليون ريال لكل محافظة)، إضافة إلى التطلعات الإيجابية بشأن تطبيق رؤية "عُمان 2040"، والجهود المُتسارعة لتعزيز مسارات التنويع الاقتصادي وتحسين بيئة الاستثمار والمحفزات التي يتم الإعلان عنها بين الحين والآخر بخصوص تشجيع القطاع الخاص ودعم نموه عبر مختلف الوسائل والأدوات، وهو ما سيعود بالنفع على الباحثين عن عمل من خلال طرح وظائف جديدة تسهم في إنعاش الحركة الاقتصادية والشرائية.

ومما يُؤكد دقة هذه التوقعات، وأن عُمان تمضي في طريقها الصحيح نحو التعافي الاقتصادي وتسجيل معدلات نمو إيجابية تعكس قوة الأداء الاقتصادي، أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة سجل بنهاية ديسمبر الماضي (2021) ارتفاعًا بنسبة 3% ليصل إلى 34 مليارًا و667 مليونًا و300 ألف ريال. لكن الرقم الأكثر أهمية- من وجهة نظري- هو إجمالي الأنشطة غير النفطية والتي وصلت قيمتها لأكثر من 24.38 مليار ريال، بزيادة 2.2% مُقارنة مع نفس الفترة من 2020. هذا يؤكد أنَّ التوجهات لدعم التنويع الاقتصادي وتعزيز القطاعات غير النفطية تؤتي ثمارها.

إذن نحن أمام تقديرات وتوقعات دقيقة قائمة على الأرقام، وليس الآمال أو التطلعات، وهذه التوقعات تشير بوضوح إلى أنَّ اقتصادنا الوطني قادر على تحقيق أرقام غير مسبوقة في ظل التحديات والظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة والعالم، خاصة مع عدم اتضاح الرؤية بخصوص مستقبل الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن مستقبل الجائحة خلال الفترة المُقبلة.

أما على الجهة الأخرى من التوقعات الاقتصادية والمتعلقة بالاقتصاد العالمي فهي ليست بذات الدرجة من التفاؤل والإيجابية كما هو الحال معنا؛ حيث في المقابل حذر تقرير صندوق النقد الدولي من التهديدات التي تواجه النمو العالمي، وخفّض توقعاته لهذا النمو بسبب ارتفاع التضخم حول العالم وزيادة نسب الفائدة، الأمر الذي يُشير إلى عراقيل قد تُواجه مسارات النمو في مختلف الدول. ولا شك أنَّ الأزمة الأوكرانية والحرب الدائرة هناك بجانب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، قد تسببت في إرباك المشهد العالمي؛ إذ إنَّ تعطّل إمدادات الحبوب من روسيا أو أوكرانيا، والمخاوف المتزايدة من فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، وتلويح روسيا بإمكانية منع تصدير الغاز عن الدول التي لن تدفع مقابل الشحنات بالروبل الروسي، كل تلك عوامل عديدة تهدد النمو العالمي، وتضع العالم أمام أزمة غير مسبوقة. ولذلك لم يكن مستغربًا أن يُخفِّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي بمعدل نقطة مئوية كاملة، محذرًا من أن التضخم بات يمثل "خطرًا واضحًا وحاضرًا" على العديد من دول العالم. هذا يعني أن خبراء الصندوق مدركون تمامًا للخطر الذي يتهدد الاقتصاد العالمي جراء الأوضاع المتقلبة وغير المستقرة، ولذلك أكد معدو تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" أن تقديراتهم وُضعت في ظل أوضاع "ضبابية" متزايدة بصورة "غير عادية"، ومن المؤكد أن تعمق الأزمة الأوكرانية يشي بمزيد من الضبابية ومن ثم المزيد من الآفاق المستقبلية القاتمة. أضف إلى ذلك الوضع في الصين؛ حيث تكافح من أجل احتواء أسوأ تفشٍ لجائحة كورونا، على الرغم من الإجراءات الاحترازية المتشددة للغاية التي تفرضها السلطات هناك. المثير في توقعات صندوق النقد الدولي، أنها هذه هي المرة الثانية التي يخفّض فيها الصندوق توقعات لآفاق النمو العالمي، الأمر الذي يشير بوضوح شديد إلى أن منسوب التفاؤل لدى خبراء الصندوق ليس مُرتفعًا أبدًا.

العالم الآن أمام تحدٍ لا يقل خطورة عن تحدي جائحة كورونا في بداية تفشيها أو الموجات الحادة التي ظهرت لاحقًا وأضرت كثيرًا بالاقتصادات نتيجة الإغلاقات وتوقف الإنتاج في مختلف دول العالم. ومنبع خطورة هذا التحدي أنَّ الحكومات لم تعد قادرة على اتخاذ خطوات حقيقية ناجحة لمواجهة أزمة عنيفة مثل ارتفاع التضخم، وما يصاحب ذلك بالتبعية من ارتفاع في أسعار الفائدة، وهذا يعني زيادة أعباء الديون على الدول المُقترضة، وأولهم الدول الغربية، لذلك حذَّر صندوق النقد الدولي من حدوث "اضطرابات اجتماعية" في عددٍ من البلدان في ظل الخلل المالي والاقتصادي الذي يُؤثر بصورة مُباشرة على حياة النَّاس في كل مكان.

والواقع يُؤكد على أنَّه في حالة إخفاق المنظومة الدولية القائمة حاليًا في تحقيق الأمن والاستقرار العالمي، فإنَّ التهديدات المستقبلية ستتعاظم، ليس فقط على مستوى النمو الاقتصادي، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالأمن السياسي والعسكري للدول، ولذا يجب احتواء أي صراع مُحتمل خلال الفترة المُقبلة، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

وختامًا.. الأوضاع ولله الحمد في سلطنتنا تتطور نحو الأفضل بفضل العوامل العديدة السالفة الذكر، لكن هذا لا يعني أننا في منأى من تداعيات الأوضاع العالمية وانعكاساتها علينا، خاصة في ظل تصاعد التوترات مجددًا في مناطق الصراع التقليدية إلى جانب الصراع الأسوأ حتى الآن في القرن الحادي والعشرين وهي الحرب الروسية الأوكرانية. ولذلك يتوجب مواصلة الخطى في تنفيذ الرؤى والسياسات المُحفزة للنمو الاقتصادي، والحد من الإجراءات التي تجعلنا عرضة للتقلبات الخارجية، وأهم هذه الخطى الإسراع في جهود تعزيز الأمن الغذائي، وزيادة المُحفزات الاقتصادية وتسهيل الإجراءات ودعم القطاع الخاص للنمو من خلال قروض منخفضة الفائدة، والحد من القروض الاستهلاكية التي تسبب ارتفاعات كبيرة في التضخم، فضلًا عن مواصلة جذب الاستثمارات الأجنبية وتقديم كل ما يلزم من تسهيلات في هذا الجانب.. ولا شك أنَّ مثل هذه الإجراءات ستحقق الآمال المنشودة وتصل بنا إلى حيث نريد... "عُمان 2040".