طالب المقبالي
بالأمس القريب كتبتُ مقالًا عن مُعاناة ثلاث أسر تعيش بيننا بعنوان: "رؤوس الأسماك ومثلثات الأجبان" أحدها لا يستطيع شراء الأجبان المثلثة لعائلته بسبب العوز، والثاني يتحين الفرصة بعيداً عن أعين الناس لينتشل رؤوس الأسماك من حاويات القمامة؛ لتذوق أسرته طعم الأسماك الذي لا تسمح أحواله المادية أن يشتري الأسماك كبقية المواطنين، والثالثة أرملة استأجرت استراحة لنصف يوم؛ كي يستمتع أولادها الأيتام بالعيش نصف يوم في بيت نظيف يحتوي على مرافق نظيفة، وتطهو لهم الطعام في أوانٍ نظيفة كبقية البشر!
نعم، هذه قصص حقيقية وأصحابها يعيشون بيننا، ولكن العفة والخجل تمنعهم من استجداء الناس والجمعيات الخيرية التي وجدت لإعانة مثل هذه الأسر.
"لِلۡفُقَرَاۤءِ ٱلَّذِینَ أُحۡصِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ لَا یَسۡتَطِیعُونَ ضَرۡبࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ یَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِیَاۤءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِیمَـٰهُمۡ لَا یَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافࣰاۗ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِنۡ خَیۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِیمٌ" (سُورَةُ البَقَرَةِ: 273).
فبعض هؤلاء الناس سُرِّحوا من العمل، وعليهم قروض بنكية تستقطع فور تحويلها إلى البنوك التي لا تعترف بالظروف التي مر بها المقترض، فالذي يهمها هو استقطاع القسط الشهري. والبنوك إن لم تجد ما تسترد به حقها من المقترض سوف تلجأ إلى القضاء؛ ومن ثَمَّ ليس أمام المقترض سوى السجن، ولا يهم البنوك إن تشردت الأسر ولجأت إلى المحسنين وفاعلي الخير، والجمعيات الخيرية، والضمان الاجتماعي الذي لا يوفر كافة متطلبات الأسرة.
وهنا أزف البشرى للقراء الكرام بأن الأرملة ذات الأيتام التي ذكرتها في مقالي يتم حاليًا التنسيق من قبل جهات معينة مع وزارة الإسكان لبناء منزل لهم.
أما البشرى الكبرى فهي التي طالعتنا بها وسائل الإعلام المختلفة في سلطنة عُمان الحبيبة، سلطنة الخير، سلطنة العطاء والإنسانية، فهي ذلك الدعم المادي السخي الذي قدمته السيدة الجليلة حرم جلالة السُّلطان المعظّم- حفظها الله ورعاها- لمبادرة فك كربة عبر مؤسسة عهد.
وبحسب البيان الرسمي المنشور، فإن هذه المبادرة "تأتي انطلاقًا من مسؤوليتها الاجتماعية في دعم المبادرات الإنسانية، وإيمانًا بدور العمل الخيري في خدمة المجتمع عبر ما تتبنّاه مؤسسات المجتمع المدني من مبادرات".
وذكرت وكالة الأنباء العمانية أن هذا الدعم قد قُدّم عبر المبادرة التي تتبنّاها جمعية المحامين العُمانية، وأسهم في الإفراج عن عدد من المحبوسين على ذمة قضايا مالية في جميع محافظات سلطنة عُمان، ممن تنطبق عليهم شروط المبادرة.
جزى الله السيدة الجليلة جزاء المحسنين، ووسع في رزقها، وجعلها عوناً وسنداً للمعسرين والمعوزين، وكل من يمر بضائقة في حياته. لقد حرصت السيدة الجليلة منذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- على تلمس احتياجات المواطنين من خلال التواصل المباشر، ومن خلال الزيارات الميدانية التي تقوم بها -حفظها الله تعالى- في ربوع عمان.
وكانت آخر زيارة لها -إن لم تخُنّي الذاكرة- لدار الرعاية الاجتماعية بالرستاق، فقد كان لتلك الزيارة وقع كبير لكبار السن الذين تقطعت بهم السبل وفقدوا المعيل والأسرة، فكان اللقاء محفوفاً بالحنان والمحبة والرحمة، وكانت -حفظها الله- تحاور النساء بإصغاء تام، وتمسك بأياديهن تواضعاً واحتراماً وتوقيراً لكبار السن.
وقد أعطى هذا اللقاء مردودًا إيجابيًا في إدخال الفرحة والراحة النفسية لنزلاء الدار الذين فقدوا حنان الأسرية، فغالبية النزلاء معدومو الأقارب والأسرة.
حفظك الله يا نصيرة المعوزين والفقراء والمرضى وأصحاب الحاجة، فقد صنعتِ البسمة في نفوس بائسة يائسة.