زمن التحدي

 

فاطمة هبيس الكثيرية

لكل زمن سماته وهذا زمن السباق فلا ترضى بالخسارة وقد ضرب لنا أفضل مثال على ذلك أولئك الشباب المتطوعون الذين لا يقبلون الخسارة أبدا؛ فهم يدركون جيدا أن هذا الوقت ثمين وفي غاية الأهمية ولا يقدر بثمن "فالوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك".

فإما ربح أو خسارة لا ثالث لهما فاختاروا الفوز ولم يقبلوا الخسارة لأن الله سبحانه اختارهم فمن أخلص لله أحبه الله، ومن أحبه الله استعمله فيما يرضيه، وأصبح جندا من جنود الخير في الأرض فهنيئا لهم. فقد عملوا بشعار أبي مسلم الخولاني حين قال: (لا يظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم قد خلٌفوا وراءهم رجالاً). ومما يثلج الصدر وجود شباب في زمانناً هذا يذكروننا بزمن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ومما يسر الخاطر ما نراه من تلاحم بين أبناء هذا الوطن خلال شهر رمضان وخاصة قيام الشباب المتطوعين بجمع الطعام بعد صلاة التراويح لتوزيعه على المحتاجين وتحديد مواقع معينة يسهل الوصول إليها لمن يرغب في التصدق بالطعام الزائد عن حاجته بل أيضا وفروا سيارات للوصول للمنازل التي يصعب عليها الحضور رغم إرهاقهم الشديد، ولكن من أجل الجنة تهون الصعاب وبهذه المبادرة الرائعة يكونون قد حققوا عدة أهداف:

أولًا: صيانة النعمة والحفاظ عليها من أن ترمى في القمامة رغم أنها نظيفة وطازجة ولكن بسبب الإسراف في رمضان.

ثانيًا: صيانة كرامة الأسر المتعففة التي لا تطلب من الآخرين رغم حاجتها.

ثالثًا: منع الحاجة إلى التسول ممن يحتاج إلى الطعام والشراب ومساعدتهم على حصولهم ما يكفيهم من الأطعمة.

رابعًا: تحقيق رضا الله سبحانه وطلب جناته.

قال بن الورد "إن استطعت آلا يسبقك إلى الله أحد فافعل". ومما يسر الخاطر ويبهج النفس أيضا قيام بعض الشباب العصاميين ببيع ما يحتاجه الصائم والاعتماد على أنفسهم من أجل كسب مال حلال يقيهم الاعتماد على أهلهم والحاجة إلى الغير. ومما يستدعي الاعتزاز أكثر قيام تلك النساء الفاضلات من الأسر المنتجة ببيع ما لذ وطاب من صنع أيديهن الماهرة أشهى الأطباق والمأكولات الشعبية والعالمية أيضا في خيم منظمة لهذا الغرض، وهؤلاء قد أنار الله بصيرتهم للمعنى الحقيقي لهذا الشهر الفضيل فهو رمضان الذي اتخذ اسمه من الرمض وهو شدة الحر والرمض أيضا يعني أنه تحرق فيه الذنوب والمعاصي، كما أن القلب يحترق شوقا لله والتوبة وطلب العفو والمغفرة من الباري الغفار. فالمعروف أنَّ جميع المسلمين يكررون دعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنَّا"، وذلك طمعا بكرم الله وعفوه وخاصة في العشر الأواخر أملا بإدراك ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

ولشهر رمضان فضل على بقية الشهور، فهو ركن من أركان الإسلام وفيه تضاعف الحسنات فالصدقة في رمضان أعظم من أي وقت آخر ففيها تضاعف الأجور؛ ومنها إطعام الطعام قال تعالى "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماً وأسيرًا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا".

وقال صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا)، والصدقة تطهيرالمال والنفس وزيادة في البركة، قال تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) يعني الصدقة لا تنقص المال بل توسعه وتزيده وتنميه، كما إن الله سبحانه وعد المتصدق بجزاء يفوق الوصف والخيال حيث قال صل الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه)، فهل هناك جزاء أعظم من هذا فما أحوجنا إلى ذلك الظل الذي لا ظل إلا هو يوم القيامة؟ ونحن في ذلك الموقف المهيب، والصدقة في رمضان فيها تفضيل لأن بها إحسان إلى الفقراء وذوي الحاجة وإعانتهم على الصيام.

ومن فضائل هذا الشهر أيضا أنه تفتح فيه أبواب السماء وأبواب الجنة وتغلق أبواب النار، فقد قال صل الله عليه وسلم: (إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر قال صل الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، وهي ليلة لا تعوض ولا تقدر بكنوز الأرض جميعا فيغفر الله لكل من يحيها كل ذنوبه وتستجاب كل دعواته فهل هناك أعظم من هذا؟ وشهر رمضان الذي أنزل فيه القران الذي قراءة حرف من حروفه حسنة والحسنة بعشر أمثالها، وغيره من الفضائل التي لا تحصى ولا تعد.

فهل يعقل أن تضيع وقتك الثمين في هذا الشهر الفضيل في مشاهدة البرامج التافهة وتترك اغتنام هذه الفرصة الذهبية التي لا تقدر بثمن؟

أترك الإجابة لك!

تعليق عبر الفيس بوك