حاتم الطائي
◄ تحقيق الفائض المالي يمضي بالتوازي مع زيادة التنويع الاقتصادي
◄ الإدارة الرشيدة والقرارات الناجعة من عوامل تحقق النمو الاقتصادي
◄ الحكومة نجحت في تطبيق المعادلة الصعبة عبر تحفيز الاقتصاد وترشيد الإنفاق
أرقام بالغة الأهمية كشفت عنها النشرة الشهرية لوزارة المالية الخاصة بحسابات فبراير 2022 ومُقارنتها على أساس سنوي مع فبراير من العام الماضي، فقد برهنت على أن الإدارة الرشيدة للمالية العامة خلال السنوات القليلة الماضية أنتجت منظومة مالية تتسم بالاستدامة والنمو ومُعالجة الاختلالات الهيكلية وتعزيز التوازن المالي، فرغم التحديات الصعبة جدًا التي مررنا بها، إلا أننا استطعنا الحفاظ على السير في المسار الاقتصادي الصحيح.
أهمية ما تحقق من نتائج مالية تتجلى ليس فقط في تحقيق فائض مالي أو زيادة بالإيرادات غير النفطية؛ بل أيضًا في تبني نموذج اقتصادي قائم على التنويع الاقتصادي، نموذج لا ينتظر عوائد النفط المُرتفعة كي يحقق النمو المنشود، فبشهادة المؤسسات الدولية كانت عمان على موعد مع نمو اقتصادي يصل إلى 1.8% خلال عام 2021، غير أنَّ تعديلات التوقعات وصلت إلى 2.5%، علاوة على أن الأرقام المبدئية تشير إلى أن الحساب الختامي لذلك العام سيكون أعلى من هذه النسب، إضافة إلى النمو المتوقع خلال العام الجاري 2022؛ حيث يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة بنسبة 7.4 في المئة. على الرغم من أنَّ هذه التوقعات وضعت في الحسبان استمرار تأثير تداعيات جائحة كورونا على الأوضاع الاقتصادية، وكذلك لم تكن تتوقع القفزة الهائلة في أسعار النفط على وقع الاضطرابات العسكرية والتوترات الجيوسياسية.
إذن نحن أمام معدلات نمو اقتصادي تتحقق بفضل العديد من العوامل، إلّا أن العامل الأبرز يتمثل في الإدارة المالية القوية، والقرارات الاقتصادية الناجعة، التي عكست بُعد نظر الحكومة الرشيدة واستشرافها للتحديات. لا يمكن القول إنَّ التحسن في المالية العامة والاقتصاد ناتج فقط عن ارتفاع أسعار النفط؛ بل إن حزم التحفيز الاقتصادي التي أطلقتها الحكومة على مدار عامين خلال 2020 و2021 وأيضًا ما يتم اتخاذه من قرارات اقتصادية إيجابية، كل ذلك ساهم في النتائج التي نلمسها حاليًا على الأرض.
لقد كانت مُعادلة الحكومة تتمثل في تحفيز الاقتصاد وترشيد الإنفاق، وكل خبير بالشأن الاقتصادي، يُدرك جيدًا أنَّ هذه معادلة بالغة الصعوبة؛ بل إن البعض يذهب إلى عدم قدرة أي حكومة على تنفيذها؛ حيث إن التحفيز عادة مرتبط بالتيسير المالي وتقديم حزم مالية للقطاع الخاص أو القطاعات التي تواجه تحديات، وكذلك من خلال زيادة الإنفاق الإنمائي والاستثماري من ميزانية الدولة، وما حدث في ميزانية 2020 و2021 عكس نجاعة هذه المعادلة، ترشيد في الإنفاق مع ضخ حزم تحفيز وتسهيلات للقطاع الخاص في الوقت نفسه.
وهذه المعادلة الصعبة، أنتجت لنا برنامج التوازن المالي للأعوام من 2021 إلى 2024، وهي خطة حكومية طموحة جدًا تستهدف تقليص العجز المالي وتقليص الدين العام الذي بلغ مستويات قياسية كبيرة لم نعهدها من قبل في ظل التحديات سالفة الذكر. وقد سعت خطة التوازن المالي إلى إعادة النظر في العديد من جوانب الإنفاق، وعلى رأسها الدعم الحكومي للطاقة والخدمات، ومن هنا بدأت الحكومة تدريجيًا في رفع الدعم عن الفئات غير المستحقة، وتوجيهه بصورة أكبر إلى الفئات المستحقة، وهما تحديدًا فئة الضمان الاجتماعي وذوي الدخل المحدود، وأضيف لهم لاحقًا- بعد إعادة النظر في أسعار الكهرباء والمياه قبل شهور قليلة- فئات أخرى تواجه تحديات مالية ومصاعب معيشية. ومن هنا نُدرك أنَّ يد الدولة لم تتخلَ يومًا عن مواطن في أمس الحاجة إلى الدعم، ولنا في نظام الدعم الوطني الحجة والبرهان.
ثمَّة حقيقة أيضًا أُريد أن أسلط عليها ضوءًا كبيرًا، وهي دور المواطن في تحمل التبعات الاقتصادية الناتجة عن الظروف والتحديات التي مرَّت بنا وبالمنطقة والعالم، فالمواطن العماني تحمَّل الكثير وصبر خلال الفترة العصيبة التي تزامنت مع جائحة كورونا والتراجع الحاد في أسعار النفط، وهو ما دعا الحكومة إلى زيادة بعض الرسوم على الخدمات، الأمر الذي تسبب في تسجيل معدل تضخم وصل إلى 3.8% تقريبًا خلال العام الماضي 2021، لكن المواطن كان مُدركًا للظروف والمتغيرات، وعلى علمٍ تامٍ بأن القيادة الحكيمة لن تألو جهدًا لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتقليل أي تأثيرات سلبية على المواطن.
ولذا نقول.. إن المسار الاقتصادي الصحيح الذي تمضي عليه حكومتنا الرشيدة، تتحقق نتائجه الإيجابية اليوم، وسنواصل جني ثمار السنوات العجاف التي مرت على عمان والعالم، ونبدأ سنوات الازدهار والإنتاج، ولا شك أن الفوائض المالية التي بدأت تتحقق ستسهم في تقليص العجز المالي؛ بل ومحوه إن شاء الله، وكذلك الحد من الدين العام، إلى جانب مواصلة تعزيز النمو الاقتصادي عبر حِزم التسهيلات، والقرارات الجاذبة للاستثمار الوطني والأجنبي؛ لينعم المواطن بخيرات وطنه ويحيا حياة آمنة مطمئنة، ديدنها الاستقرار والرخاء، وصفتها الازدهار والنماء.