التعمين العاطفي والتشغيل العقلاني

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

سجال التعمين في سلطنتنا الحبيبة سجال مُتجدد ولم ينتهِ بتحقيق قواعد عامة له يُمكن البناء عليها، وبما يحقق الحسنيين: تشغيل المواطنين وتحقيق اقتصاد وطني حيوي وفاعل، كما لم يصل بنا إلى مرتبة الواقعية الدائمة، فأغلب- إن لم كن جميع- قرارات الحكومة بخصوص التعمين ومنذ ثمانينيات القرن المنصرم كانت مُشبعة بالعاطفة ومشحونة بضغوط الواقع وردود الأفعال، وبالنتيجة الطبيعية تخرج غير منطقية ولا مبنية على شروط وممكنات حقيقية مدروسة مثمرة للوطن والمواطن، فقد كانت وللحقيقة أقرب ما تكون إلى حالة عجز واضح للحكومة والرمي البواح بذلك العجز الظاهري على كاهل القطاع الخاص بجميع فئاته وفرضه على المستثمرين بصورة أخلت بمناخ الاستثمار وجذب المستثمرين.

المسألة ليست تحقيق أرقام ورقية نلوح بها في وسائل الإعلام ومنابر الندوات والمؤتمرات ونعيق بها المؤسسات التجارية من مختلف الدرجات ومشاريع الاستثمار؛ بل أبعد من ذلك بكثير وهو تحقيق الاستقرار الوظيفي للمواطن وتطبيق قواعد ومعايير الجذب والطرد في الاقتصاد دون تدخل أو إكراهٍ. يجب أن نؤمن أنَّ عدم قيامنا بخلق سياسات عمل جديدة تتعدد فيها الجنسيات والثقافات وتتحسن فيها الخدمات وترتقي فيها الدخول والنفقات في السوق المحلية كسوق حر ومفتوح، ستجعل الأفضلية للعمالة الآسيوية الرخيصة، والتي عطلت كثيرًا من خطط التعمين بفعل الفجوة "الكبيرة" في الرواتب بين العُماني والوافد الآسيوي، مع عدم إغفال فجوة الخبرة والإنتاجية بينهما كذلك. ومن واقع تجربتنا معها لخمسة عقود لم ترتقِ هذه العمالة بخدمة، ولم تحقق تنافسية ولا جودة، ولم نشهد منها في المقابل إنفاقًا يُذكر يُنعش السوق المحلية، بسبب تدني دخولها، وحرصها الشديد على التقشف وتحويل مدخراتها للخارج أولًا بأول.

هذا يدفعنا وبحكم مقتضيات الواقع اليوم وامتثالًا لقواعد الاقتصاد الحر الذي ننتهجه بسلطنتنا الحبيبة إلى ضرورة العمل على تنوع وتعدد جنسيات العمالة وفتح السوق للتنافسية والجودة وحضور الإنفاق في السوق المحلية بشكل معقول ومقبول في خططنا، وبالتالي تحقيق دورات اقتصادية حقيقية ومثمرة واستفادة الشرائح جميعها على قواعد الاقتصاد الدائري، والذي يحقق الفائدة والنفع لشرائح اجتماعية وقطاعات متعددة في الدولة بفعل الثراء وتوفر القوة الشرائية ووجود الكثافة البشرية المستفيدة من قطاع الخدمات في الدولة من عقار وتجارة ونقل ....إلخ.

ما أوردته آنفًا ليست نظريات جديدة في الاقتصاد ولا في التنمية البشرية؛ بل قواعد عامة يلمسها الجميع ويطبقها الجميع كذلك، فتوفير مناخ اقتصادي جاذب يحقق بالنتيجة الحتمية وتلقائيًا تشغيل وفرص عمل دون تخطيط أو فرض أو إكراه، وفي المقابل الاهتمام والتركيز على جزئية واحدة بعينها كالتشغيل وبمعزل عن منظومة الاقتصاد ومقتضياتها يؤدي بالنتيجة الحتمية وتلقائيًا إلى عزوف وإحجام الأنشطة التجارية القائمة وتقليصها وهروب رؤوس الأموال وتردد وتهيب الكثير عن دخول السوق وبالنتيجة تكدس الباحثين عن عمل وكساد العقارات وتراجع دخول وعوائد الأعمال المصاحبة للأنشطة التجارية في أزمنة الطفرة من نقل وخدمات ماء وكهرباء وهواتف وصولًا إلى تدني دخول خزينة الدولة من رسوم وضرائب.

الحل يكمن في تقديري في ضرورة مراجعة شروط التعمين في جميع الأنشطة التجارية بالسلطنة وإخضاعها للعرض والطلب وقاعدة الجذب والطرد وإفشاء مناخ الجذب الحقيقي عبر المزيد من تقليل الرسوم والضرائب وجعل سلطنتنا الحبيبة جاذبة للإقامة والاستثمار من الداخل والخارج والانفتاح على جنسيات عمالة جديدة يُراعى فيها ومنها تحقيق الجودة والتنافسية وتحسين بيئة الاقتصاد وعوائده المباشرة وغير المباشرة، والسعي الجاد إلى رفع عدد السكان لتحقيق القدرة الشرائية وإنعاش السوق، عبر فتح البلد ورفع سقف الجنسيات المسموح لها بدخول السلطنة للزيارة أو العمل، وكما هو الحال بأشقائنا في أقطار الخليج والذين تربطنا بهم نفس المحاذير وتشابه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إلى حد التطابق، حيث لجأت بعض تلك الأقطار إلى رفع سقف السكان عبر السماح بدخول جنسيات كثيرة وبشكل شهري أو سنوي مقنن- كتلة سُكانية مُتحركة- بحيث لا تسبب تلك الجموع ضغطًا يُذكر على البُنية التحتية القائمة، ولا يتطلب القرار المزيد من التوسعات البنيوية في قطاع الخدمات والنقل، وبهذا تحققت عوائد مالية مهمة في قطاعات السياحة والنقل والخدمات وزادت القوة الشرائية وبفعل ذلك الدخول يمكننا نحن في السلطنة تحمل كُلفة تشغيل المواطنين بتحمل جزء مهم من رواتبهم كمثال، وتدريبهم لسوق العمل، وتمويل مشروعات الراغبين منهم في ريادة الأعمال؛ بل ومنح رواتب شهرية للباحثين عن عمل برخاء وسخاء كذلك.

قبل اللقاء.. الحلول العقلية أولى وأهم وأقل كُلفة من الحلول المالية.

وبالشكر تدوم النعم.