هل هلالك وحل حلولك "ي" رمضان

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

"حلحول السلامة".. جملة مضغوطة باللهجة الظفارية، تخرج من الفم مع تنهيدة سعادة تعبر عن أي حدث مُبهج وسعيد يحدث للإنسان بعد مضي حول أو عام على انقضائه الأول؛ أي أنه ابتهال وشكر لله الذي أمد في عمره لعام آخر كي يحظى بعيش الحدث من جديد لعام آخر.

خير مثال على ذلك "هلال" شهر رمضان الكريم أفضل الشهور عند الله ومنحته الربانية لهم (الصوم لي وأنا أجزي به)، وأيضا في الكثير من المناسبات كجني الإنسان أو قطفه وتذوقه طعام يحين موعده في كل عام كموسم جني "القنباء" الفطر البري اللذيذ الكبير الحجم، و"الحشوا" الخيار كبير الحجم زكي الرائحة والطعم في جبال ظفار في موسم الخريف، واللبن الذي يكاد لا يجد الرعاه من يشربه، وأيضًا يكاد لونه يميل للاخضرار وأيضا نكهته، حيث تقتات الأبقار طوال هذا الموسم على العشب السندسي الأخضر و"البيضاح" في موسم "الصرب" والسمن "الخرفي" العربي الأصيل الذي يجني من "مكير" خض الحليب بكميات كبيرة في قرب جلود الأغنام، و"الفذك" محار البحر على الشواطئ الرملية، و"الحشفور" و"الزوكة" وغيرها على الصخور الشاطئية و"العيد" سمك الساردين أو الضاغية وسمكة (التكوايه) اللذيذة الطعم وسمكة (السيسان (الصافي) الذي كانت تجفف لتصدر بعد ذلك من كثرة المحصول منها بواسطة (الجراجير) أقفاص الخوص.

كنَّا صغارا نترقب الهلال مع الكبار على شاطئ بحر الحافة في مجاميع على امتداده وكأننا نعوض بأعيننا المجردة عدم وجود مناظير أو تلسكوبات الرؤية الحالية، وما أن يشاهد الهلال ويتم التحقق منه تنطلق مجموعة من الكبار إلى مكتب الوالي الملحق بقصر الحصن للشهادة ويتم إطلاق مدفع الإفطار القوي الصوت الذي يسمع دويه صلالة كلها من عوقد غرباً إلى الدهاريز شرقا وننطلق إلى المساجد لنردد مع أئمتها بعد صلاة المغرب نية الصيام (نويت الصوم غدا لله تعالى) ومنها نتجه إلى بيوتنا لغسيل وتطهير طقم من ألبستنا المكون من (المصدرة) القميص و (الوزار) الإيزار من مجمل عدد اثنين أو ثلاثة أطقم بالكثير يملكها كلٌ منَّا نحن الصغار.

ونبدأ نهار أول يوم رمضاني في الصيام بالتوجه إلى سوق ماركيت الحافة؛ حيث تعرض مستلزمات الشهر من الأطعمة كالخضار والفواكه والأسماك واللحوم وحطب الطبخ وحلويات رمضان المعروفة حينها كاللقيمات والقشاط والحلوى والسمبوسة والكعك الظفاري بنوعيه الرقيق والثخين لثريد اللحم واللبن ونحرص نحن الصغار على اقتناء كيسة أو صرة الإفطار وهي تصنع من خيوط سوتلي خيش الأرز والحبوب لنحملها معنا إلى المسجد لصلاة المغرب وكل ما بها قطعة من كل صنف فواكه كالموز أو (الزيتون) الجوافة ولقيمات وسمبوسة، فلم تكن لدينا عادة جلب الإفطار إلى المساجد والأغراب على الأحياء وإن كانوا قلة قليلة يصطحب كلا منهم أحد من جيران المسجد سعيدًا به إلى بيته ولم يكن يقدم في المسجد سواء الأسودان (التمر والماء) من الجيران الأقرب للمسجد مع القهوة بالطبع.

وكنَّا من بعد صلاة العصر إما في دكة المسجد للاستماع الى أحاديث الكبار وحكايات أسفارهم وتاريخهم أو على رمال الشاطئ في حلقاته الشبيهة بالداكه مع لعبة "الثبت" المحلية الشبيهة بالشطرنج ولكن بدون جنود وملوك ووزراء فأصداف الشاطئ تقوم بالمهمة وتختط أرضيتها على الرمل (لعبة الطيبين من الأرض وإليها).. صدق من قال إنه زمن الطيبين!

أيها المهرولون جريًا إلى الأمام من أجيالنا الحالية فرملوا قليلا لالتقاط الأنفاس، ولا يمنع الرجوع خطوات للخلف، أقلها ستصبح رؤيتكم للأمام أوسع وأبعد وأشمل وستحظون بتوازن لن تستشعروه بهرولتكم الحثيثة للأمام الحالية.