لا أفق لهذه الحرب

حاتم الطائي

◄ الوضع العالمي لا يُوحي بانفراجة قريبة أو نهاية وشيكة لأسوأ الحروب المعاصرة

◄ الحرب تؤثر على الأوضاع المعيشية وتسبب غلاء الأسعار

◄ تحركات إقليمية ودولية تجري خلف الكواليس لانتزاع المكاسب في خضم الانشغال بالحرب

أحداثٌ مُتسارعةٌ لا تتوقف، ومعارك عسكرية لم تهدأ إلى الآن، وملايين النازحين واللاجئين يفرّون من أتُون الحرب، ومدن أشباحٍ تخلو من كل شيء سوى ضجيج المُجنزرات والدبابات وأزيز الطائرات الحربية، أضف إلى ذلك توتر عالمي غير مسبوق، وحالة تأهب عسكرية لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية، وكساد تضخمي يضرب الاقتصادات، ومخاوف من نشوب صراعات عسكرية في مناطق مُختلفة من العالم.. هكذا هو المشهد العالمي تحت وطأة الحرب الروسية الأوكرانية التي ما فتأت أن تدخل شهرها الثاني، بينما لا يبدو في الأفق نهاية وشيكة لهذه الحرب التي تُهدد بما هو أسوأ خلال الفترة المقبلة.

لم أكن يومًا متشائمًا أو باعثًا لطاقات سلبية، لكني أنظر إلى مُعطيات الواقع لأرى المستقبل، ونظرًا لأنَّ الواقع يشير إلى عمليات عسكرية لا تتوقف، وخسائر مليارية في الاقتصاد العالمي، وقصف روسي لا يهدأ ليل نهار، وتسليح أوروبي أمريكي لأوكرانيا يمضي على قدم وساق، وانهيارات اقتصادية لكل من روسيا وأوكرانيا، فإنَّ الفترة المقبلة من هذه الحرب لن تكون أقل وطأة ممّا سبق.

وعندما ننظر إلى تداعيات هذه الحرب على اقتصادنا ومعيشتنا، يتَّضح أنَّ التأثير واضح لا يقبل التشكيك.. نعم نعلم أنَّ ارتفاع أسعار النفط لمستويات مرتفعة للغاية يُحقق لنا وللدول المنتجة للخام مكاسب فقدتها خلال السنوات العجاف الماضية، لكنها في الوقت نفسه تزيد من أسعار السلع الأخرى، وهو ما يتسبب في قفزة بمؤشرات التضخم، تنعكس على القوة الشرائية للمستهلكين، وتُؤثر على السياسات النقدية للبنوك المركزية، وتلقي بظلال سلبية على عمليات الاستيراد أو التصدير، فما يأتي من واردات بسعر مُرتفع يُؤثر بالضرورة على سعر المنتج النهائي في الأسواق المحلية، ونظرًا لأننا نستورد الكثير من المنتجات، فلا شك أن تبعات ذلك سيشعر بها المستهلك. وفي المقابل، ستواجه خططنا لتصدير المُنتجات والسلع تحديات نتيجة لارتفاع الكُلف التشغيلية وسعر الوقود وزيادة أسعار الشحن البحري أو الجوي، وغيرها الكثير من الأسباب.

ومثل هذه الأمور تتصدر أولويات الحكومة الرشيدة، ولقد عبّر حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- عن ذلك عندما أكَّد جلالته (خلال اللقاء مع شيوخ شمال الباطنة والظاهرة والبريمي) أنَّ أسعار السلع الأساسية في أسواق السلطنة منضبطة، وهذا تأكيد على ما توليه حكومة جلالته من اهتمام بمراقبة أوضاع السوق المحلي، من خلال توفير السلع والمنتجات بأسعار مناسبة تلائم الظروف التي نعيشها جميعًا. لكن في الوقت نفسه يجب علينا أن نعلم أن الزيادة العالمية في الأسعار نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، ستُؤثر علينا تدريجيًا، ولذلك نؤكد مجددًا أهمية اعتماد البدائل الاقتصادية الآمنة؛ سواء فيما يتعلق بمخزوننا الاستراتيجي من السلع والمنتجات، أو السعي للتوسع في المشاريع ذات الصلة بالأمن الغذائي، والتوسع في الرقعة الزراعية، ورفع معدلات الإنتاج. عندئذ سنتمكن من مواجهة الكثير من التحديات الناجمة عن الأوضاع العالمية غير المُستقرة.

ولا شك أنَّ تداعيات الحرب أثرت بصورة حادة على أسعار الطاقة، وخاصة النفط والغاز، لا سيما وأن روسيا واحد من كبار منتجي هذه السلع الاستراتيجية، فضلًا عن كونها المزوّد الأول للغاز إلى أوروبا، ورغم أنَّ الغاز الروسي لم ينقطع حتى الآن عن أوروبا، إلّا أنَّ المخاوف من فرض عقوبات على هذا القطاع سيفضي إلى نتائج لن تُحمد عقباها. ومن هنا ينبغي على الغرب التفكير جديًا ومليًا قبل اتخاذ مثل هذه الخطوة، خاصة وأن روسيا لا يبدو أنها عازمة على وقف الحرب قريبًا؛ حيث أعلنت موسكو أكثر من مرة أنها لن تتوقف إلا بعد اكتمال أهدافها.

المثير في هذه المتغيرات من حولنا، أنَّ ثمة أطراف إقليمية ودولية تتحرك في الوقت الراهن وتجري مباحثات حول قضايا تبدو في ظاهرها عامة، لكن المؤكد أن خلف الكواليس وداخل غرف الاجتماعات المغلقة، تدور نقاشات يُريد كل طرف من خلالها استغلال الانشغال العالمي في الحرب، ومن ثم انتزاع مكاسب وتحقيق مآرب لا نعلم إذا كانت في صالح المنطقة والعام أم لا.

وختامًا.. رغم عدم التفاؤل بعدم انقشاع هذه الغمّة قريبًا، إلّا أن الآمال بانتهاء الحرب لا ينبغي أن تتوقف، كما إن الجهود الدبلوماسية يجب أن تستمر وتتواصل، فمع كل طلقة رصاص ودانة مدفع وصاروخ يسقط على الأرض، هناك أرواح تُزهق وبنى أساسية تُدمر، واقتصاد عالمي تتعمق أزمته، وعندما يغيب السلام عن عالمنا سيتحول- بلا شك- إلى أرض كبيرة من المعارك والصراعات التي تنذر بكتابة الفصل الأخير من تاريخ البشرية، إذا ما وقع المحذور ولجأ أحدهم لأسلحة الدمار الشامل.. لا قدر الله!