التربية قبل التعليم

 

سالم البادي (أبومعن)

 

تربية النشء مسؤولية عظيمة وجليلة ويتقاسم مسؤوليتها جميع قطاعات الدولة ابتداء من الأسرة والمجتمع والمسجد والمدرسة، لكن قد تتضاعف مسؤولية "وزارة التربية والتعليم" أكثر، إيمانا منها بأهمية دور المدرسة في تربية الأجيال تربية ناجعة وصالحة، ولهذا سميت وزارة التربية والتعليم بهذا الاسم لأنَّ التربية والتعليم مهمتان متلازمتان جنبًا إلى جنب لا ينفصلان ويكملان بعضهما البعض، ونتيجة لذلك التلازم يتم مخرجات الأجيال الجديدة المتسلحة بالعلم والمعرفة.

وللأسف الشديد لما تراجع دور الأسرة التربوي، كان لزامًا أن يتضاعف دور المدرسة في ذلك، فتحوّلت المسؤولية بالكامل نحو المدرسة لتعويض غياب الأسرة، بعد أن كانت تتقاسم الدور التربوي مع المدرسة.

لكن السؤال الأهم هنا ماذا لو قصرت أو تخلت أو أهملت المدرسة دورها التربوي على حساب مهمتها التعليمية؟!

إنَّ مهنة المعلم هي مهنة "الأنبياء والرسل" وهي مهمة كبيرة ورسالة سماوية عظيمة؛ فالمعلم هو «المُربّي»، وهو يبني أجيالا بفكره ورسالته العظيمة وهو مربٍ وموجهٌ ومرشدٌ ومساعدٌ وعون لتلاميذه قبل أن يكون معلماً.

إنّ صلاح ونجاح وسلامة منظومة البيئة المدرسية التربوية مرتبطة ارتباطا وثيقا بنتائج مخرجاتها التعليمية، وإن الممارسات والسلوكيات المدرسية الصحيحة واحترام الأنظمة واللوائح والقوانين واحترام الرأي الآخر وعدم مصادرة الأفكار، والانضباط الأخلاقي وتعلم المفاهيم الصحيحة، وغرس حب الولاء والانتماء في النشء...إلخ، كل هذا من أساسيات العمل التربوي في البيئه المدرسية، فمن المدرسة تبدأ الوقاية الحقيقية للأجيال، فيتم غرس وصقل مفاهيم الرقابة الذاتية في التلاميذ، مثل الاحترام المتبادل، وتعلم الأمانة والصدق والإخلاص في العمل واحترام حقوق الإنسان، وتجنب مخالفة الشرع، وعدم إثارة النعرات الطائفية والقبلية وتجنب إثارة الفتن وعدم تداول الإشاعات، واحترام اللوائح والأنظمة والقوانين وغيرها.

إنَّ أي تقصير أو إهمال  في الدور المدرسي التربوي تكون نتيجته عكسية وكارثية على المدى القريب والبعيد، وإصلاح أو علاج هذا الإهمال والتقصير، سيحتاج إلى موارد مالية كبيرة لسد الفجوة الكبيرة التى خلفها هذا الإهمال التربوي؛ بل سيحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد والموارد البشرية؛ فالاعوجاج صعب إعادته إلى ما كان عليه.

وهناك أركان أساسية لابُد أن تحظى بالأولوية في البيئة التربوية للمدرسة، وهي القيم والمبادئ والعادات والتقاليد والأعراف التى تأسس ونشأ عليها وطننا العزيز "سلطنة عمان" وقامت عليه حضارته وأمجاده التليدة؛ فالمحافظة والتمسك بهذه الأركان وغرسها في النشء الجديد من الأهدف السامية.

لذا فإنَّ مدارسنا اليوم بحاجة أكثر إلى ترسيخ مبدأ التربية قبل التعليم، مع توفير كل ما يلزم من احتياجات للطلبة من مرشدين اجتماعيين واختصاصيين نفسيين، وذلك لكبح السلوكيات غير الأخلاقية وغير الصحيحة منذ البداية وقبل انتشارها في البيئة المدرسية وبالتالي يصعب التخلص منها.

ولكي تصبح المدرسة منارة للعلم والثقافة والعلوم المختلفة وتكون قادرة على القيام بمسؤوليتها على أكمل وجه، وحتى يصبح لديها مخرجات تربوية وتعليمية جيدة متميزة، فإنِّه لا بُد أن يكون اهتمامها بغرس القيم والمبادئ الإنسانية والمفاهيم الصحيحة السليمة أكثر من اهتمامها بتجديد المباني وتجديد المطبوعات والمنشورات وغيرها، فلا تكون هناك أهمية للتربية والتعليم إن لم يحصّن الأجيال بالأخلاق السامية.

"التربية والتعليم" ركنان أساسيان لاستكمال عملية بناء الوطن، ولا تقوم ولا تنهض أي أمة إلا بعد تثبيت هذين الركنين كنواة أساسية لبناء الوطن، فهما كالشجرة المثمرة التي تؤتي أكلها كل حين والتي أساسها وأصلها ثابت وفرعها في السماء.

ويأتي دور "المعلم" في تربية وتعليم الأجيال وصقلها بالسلوكيات والمهارات الأخلاقية والأفكار البناءة الإيجابية وليست الهدامة السلبية، ويتم ذلك بطرق تربوية وتعليمية سليمة من أجل بناء شخصيات وكفاءات وطنية قادرة على تحمل مسؤولياتها في صناعة مستقبلها المشرف والمشرق.

وهنا... لا بُد من وجود استراتيجية تربوية تعليمية وطنية شاملة واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء، حتى يصبح لدينا جيل متنور متسلح بكل سبل العلم والمعرفة وقادر على تحمل واجباته ومسؤولياته.

ومما تقدم يوصلنا إلى أنَّه لابد أن تأتي التربية قبل التعليم، لأنَّ التعليم بلا تربية لا منفعة منه ولا فائدة؛ فالتربية هي القاعدة أو اللبنة الأساسية التى تنهض منها الأجيال ومنها يتم صقلها بالأخلاق ومن ثم يأتي دور التعليم.

تعليق عبر الفيس بوك