جابر حسين العماني
هناك شركات عالمية عابرة للقارات والمحيطات استطاعت إزاحة الكثير من الأنظمة وجاءت بأخرى، تأثيرها أقوى أحيانًا من الدول العظمى، هدفها الأول هو تغييب العقل البشري وتحويله إلى آلة إلكترونية في يد طغاة العالم، وذلك من خلال توظيف العقل واستغلاله في مختلف ميادين الحياة كالسياسة والحروب الظالمة، مستخدمة الأداة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، مثل الصحف والإذاعة ومحطات التلفزة، مستهدفة عقليات وأفكار وآيدلوجيات البشر، متسلحة ببرامج التواصل الاجتماعي التي يتم من خلالها نسف أهم ما يحتاج إليه الإنسان في مجتمعه وأسرته وبيئته كالأخلاق الحميدة، والقيم الأصيلة والمبادئ الجميلة، فيغسل العقل بخبر عاجل أو فيلم وثائقي مُفبرك، ليس له صلة بالصدق، فتتحول العقول إلى معاول هدم للعلم والتفكير والإصلاح والقيم النبيلة.
لقد استطاعت الآلة الإعلامية الضارة فرض التأثير المباشر على العقول، فتغيرت الكثير من العادات الطيبة والأصيلة في المجتمع، لذا ترى البعض أحيانا بدلاً أن يلقي عليك السلام يكتفي بقول كلمة "هاي"! وبدلاً من قول: مع السلامة، يكتفي بقول "باي"!! وهكذا تمحى الأصالة والتعاليم الدينية والاجتماعية الجميلة.
يقوم أصحاب تلك الشركات العابرة للقارات والمحيطات بتوظيف أشخاص وإغرائهم بالمال؛ فيجلسون أمام شاشات الكمبيوتر يتابعون بدقة بالغة كيف يتحرك النَّاس، وما هي مواطن الضعف لديهم، فيراقبون الأوقات المناسبة للهجوم على عقولهم مستعينين في ذلك بأهل التخصص في مجال الرقابة والتحري بعد إغرائهم بالمال لتحقيق مآربهم الشيطانية بهدف التأثير المباشر على العقل البشري.
إنَّ غسل الدماغ هو اصطلاح يعني قتل العقل وتغييبه والسيطرة عليه، بحيث لا يعرف صاحبه سوى الامتثال لما يُراد منه لا أكثر، لذا يرى بعض أهل التحليل من علماء النفس أن أهم سلاح يمكن استخدامه اليوم لجعل الإنسان مغسول العقل مغيب الأفكار هو استغلال الكلمة الساحرة، فتوظف تلك الكلمة لتصل إلى عقول الناس بمختلف الطرق والأساليب كاستخدام الغناء الفاحش، والكذب المتقن بشتى أنواعه الملتوية، والترغيب إلى إدمان المخدرات، ومشاهدة المواقع الإباحية، والتعذيب النفسي والجسدي، وغيرها من الإمكانيات الضالة والمضلة، والتي من خلالها يتم زعزعة تفكير الإنسان؛ ليصبح ويُمسي مسلوبَ العقل والإرادة والتفكير فيتوجه كيف ما يُريد أعداء الإنسانية لا كما يريد الإنسان لنفسه.
إن من المؤسف عندما ترى الكثير من الشعوب تغسل عقولها وأدمغتها، فتتغير بذلك حضارتها وعاداتها وتقاليدها الأصيلة لتصبح قطعانًا من النعاج من السهل قيادتها وتوجيهها إلى الهاوية السحيقة، فيتحول الأصدقاء فيها إلى أعداء والأعداء إلى أصدقاء فيكون الحق باطلا والباطل حق.
يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: "اَلْعُقُولُ أَئِمَّةُ اَلْأَفْكَارِ، وَاَلْأَفْكَارُ أَئِمَّةُ اَلْقُلُوبِ، وَاَلْقُلُوبُ أَئِمَّةُ اَلْحَوَاسِّ، وَاَلْحَوَاسُّ أَئِمَّةُ اَلْأَعْضَاءِ"؛ لذا من الواجب حماية العقل من سموم تلك الأفكار المسمومة التي تغزو المجتمعات وتقوم بتغيير الكثير من القناعات لديها كالقضايا الشخصية والاجتماعية والوطنية، فيتطلب من الجميع الوقوف بحزم وصلابة خصوصا من المؤسسات الإعلامية والوطنية النزيهة التي لابُد أن تكون معدة ومستعدة لرفع شعار الكلمة الطيبة التي قال الله تعالى فيها: (ألَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُهَا ثَابِتٌ وَفَرعُهَا فِي السَّمَاء تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذنِ رَبِّهَا وَيَضرِبُ اللّهُ الأَمثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ).
نعم الكلمة الطيبة التي من خلالها يستطيع الجميع الحفاظ على الحقيقة والأصالة الاجتماعية بعيدًا عن التحريف والتضليل، وذلك بتسليح المجتمع بالعلم والثقافة الدينية والوطنية لكي يستطيع الجميع تجنب غسل العقول في الداخل الاجتماعي.
يقول المولى في كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) صدق الله العلي العظيم.