مسعود أحمد بيت سعيد
الكتابة عن الراحل الكبير الدكتور أحمد الخطيب ليست ترفًا؛ فالرجل أحد أهم المناضلين في الخليج والجزيرة العربية وعلى المستوى القومي ومن مؤسسي الحلم العربي في التحرر الوطني والوحدة والتقدم الاجتماعي ودوره في العمل الوطني والقومي مجمع عليه وطنيًا وقوميًا.
مسيرته امتدت منذ تأسيس حركة القوميين العرب سنة 1951 إلى جانب رفاقة الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد وهاني الهندي وآخرين، إلى فكرة إنشاء الجبهة القومية الموحدة سنة 1958 والتي سعت لتوحيد القوى القومية في الخليج والجزيرة العربية، إلى حركة التقدميين الديمقراطيين، والمنبر الديمقراطي، والتحالف الديمقراطي. وفي كل هذه الإطارات السياسية كان الخطيب مساهما رئيسيا في سبيل الارتقاء بالعمل الوطني والقومي في مواجهة التحديات. ورغم التحولات الفكرية التي طالت حركة القوميين العرب بعد نكسة يونيو 1967، ظل متمسكًا بمنطلقاته الأولى ولم يجد ما يبرر الانتقال إلى إطار فكري آخر بخلاف كل رفاقه المؤسسين في حركة القوميين العرب.
كانت الحركة حينها في أوج نشاطها وتُعبِّر عن هموم وأحلام الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج في التصدي للمشاريع الاستعمارية على امتداد الوطن العربي، وشقت طريقًا جديدًا للتقدم والكرامة الوطنية، وجسدت الوحدة العربية ووحدة النضال القومي والمصير المشترك بشكل عملي وفي تفاعل حيّ مع كل القضايا القومية، وكانت خلاياها التنظيمية متجاوزة الحالة القطرية التي أوجدتها اتفاقية "سايكس- بيكو"، فقد كانت مرحلة مجيدة من تاريخ النضال الوطني والقومي.
تحمّل الخطيب مسؤولية فرع الخليج والجزيرة وظل الرمز الأول، يوحِّد لا يفرق، وعلى علاقة صادقة مع كل المناضلين الذين تربى معظمهم على تعاليمه الوطنية والثورية والأخلاقية، وله مكانه المؤثرين في كل محطات العمل الوطني في عموم المنطقة، وسيحفظ التاريخ في سجله المشرق مكانته بالكثير من التقدير والفخر والاعتزاز.
ومع إقراري بأن هناك من هم على معرفة بالراحل أقدر مني على تناول دوره بأمانة وموضوعية، ولأني لستُ من معاصري الراحل وتجربته الثورية والمطلعين على خفاياها وبواطنها بشكل دقيق، فإني ألتمس العذر من روحه الطاهرة ومن رفاقه وكل محبيه؛ حيث إن الراحل قامة بارزة لا تُمحى من الذاكرة الوطنية ودوره في الحركة الوطنية الخليجية أوضح من شمس النهار، لذا لن يعدم من أراد تتبع مسيرته النضالية الإمساك بالمفاصل الجوهرية في تجربته الثورية وهي غنية وواسعة ومتشعبة. طبعًا لا يمكن تناول تجربة الدكتور الخطيب دون تناول تاريخ الحركة الوطنية في الخليج العربي، وكذلك لا يمكن الحديث عن الحركة الوطنية الخليجية، دون التوقف طويلًا عند مساهمته الفكرية والسياسية والتنظيمية.
أشرنا إلى هذه المحطات بشكل سريع حتى نتمكن من تتبع مسيرته النضالية من منابعها الفكرية والتنظيمية والسياسية، فقد ظل الخطيب مُتسلحًا بقناعات فكرية وسياسية لا تعرف التغيير.
كان الدكتور الخطيب شخصية وحدوية جامعة ومرنة، يعي التركيبة الاجتماعية والثقافية والنفسية للمجتمع الخليجي ودرجة تطوره الاقتصادي والاجتماعي وأهمية وطبيعة التحالفات في مرحلة التحرر الوطني. والأهم من كل ذلك، ثباته على المبدأ طيلة 7 عقود وإخلاصه للقضايا الوطنية والقومية.
لا شك أنَّ تلك المراحل كانت صعبة ولكنها كانت الأجمل والأنبل في تاريخنا المعاصر. واليوم عندما نتذكر الخطيب، نتذكر جميع الذين قدموا أرواحهم في سبيل الحرية والوحدة والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. نتذكر أحمد الخطيب رمزًا وقائدًا تقدميًا بارزًا.. نستذكره مناضلًا ثوريًا قوميًا كبيرًا.. نستذكره ونستذكر قائمة طويلة من المناضلين الأحرار، نستذكره ونقول كم هو الطريق طويل، وكم نحن بحاجة إلى قادة يتقدمون الصفوف، وتظل تتضاعف وتكبر قيمة وأهمية الدكتور أحمد الخطيب مع مرور الزمن.