التربية المالية للطفل

 

يوسف العطار

@yousufalattar77

استشاري تربوي ونفسي وأسري

ومدرب في التنمية البشرية

 

التربية بمفهومها العميق هي عملية المراقبة الفعَّالة والمستمرة لسلوك الأبناء في محاولة لتعزيز السلوك الصحيح لضمان استمراره أو إيقاف السلوك الخاطئ لضمان عدم استمراره أو تعديل وتوجيه سلوك ما إلى المسار السليم.

ولعلَّ من أهم المجالات التربوية التي يجب أن يركز عليها الأبناء هي التربية المالية، والتي تتلخص في إدراك الطفل لقيمة المال، وطرق إدارته، وصرفه في مصارفه الصحيحة.

وغرس قيمة المال وإدارته لا يمكن أن يحدث بشكل تلقائي بدون ثتقيف الطفل من قبل الأبوين حول كيفية التعامل مع المال بالشكل السليم.

ولأنَّ المال هو عصب الحياة اليومية، وبه تتحقق رفاهية الأسرة واستقرارها وسعادتها، فمن الضروري أن ينشأ الأبناء على ثقافة المال (الكسب،الصرف،الادخار).

ويجب أن يكون ذهاب ابنك معك للسوق ليس مجرد نزهة واستمتاع فحسب، بل يجب أن يكون تربية وتبصير حول ثقافة المال وتربية مستدامة له.

فمشاركة طفلك بعضا من ثقافتك المالية هام جدًا، كأن تشرح له سياستك في التعاملات الشرائية، مثل: لماذا اخترت منتجا دون الآخر؟ ولماذا تفضل نوعاً عن نوع من الأطعمة؟ ولماذا تفضل شركة عن شركة أخرى؟ هذه التعليمات في غاية الأهمية لبناء ثقافة الطفل حول الشراء والبيع كذلك.

ويمكن للأطفال أن يحصلوا على المال في فترة التمييز قبل عمر الـ 6 أعوام، ولكن كقيمة للمال تتشكل لدى الأبناء من عمر 6- 10 أعوام؛ حيث يبدأ الآباء بتدريب الأطفال وذلك بالسماح لهم بدخول هذا العالم، من خلال إعطائهم بعض النقود البسيطة في البداية، أو من خلال عملات ورقية غير رسمية، وعمل سوق افتراضي داخل المنزل يحوي ألعاباً وحلويات، ويفضل ألا يكون هذا السوق مفتوحاً طوال الوقت، حيث تحدد له أوقات خلال اليوم وهذا يُساعد على ضبط قيمة الوقت لديهم، فيتعلم أن للأسواق أوقات محددة وليست مفتوحة بشكل عشوائي.

ومن الأساليب الجميلة في هذا الباب هو إعطاء الطفل المال صباحًا ثم يطلب منه الاحتفاظ به لحين فتح السوق (العصر مثلا). ولكن ماذا لو أضاع الطفل ماله قبل فتح السوق؟

هنا لابد ألا نتساهل معه ونُعطيه الحلوى من باب الرحمة والشفقة، بل نعلمه أن عدم احتفاظك بمالك جعلك في هذا الموقف الصعب، وعليه فإنَّ الغد هو فرصتك للشراء، وفي الغد نكرر معه ما فعلناه في اليوم الذي قبله بإعطائه المال صباحًا.

هنا سيتعلم الطفل الحرص على المال وأن التفريط فيه أو إهماله أو وضعه في مكان غير مكانه الصحيح عواقبه وخيمة.

أيضاً يفضل شراء محفظة صغيرة لطفلك يحفظ فيها المال، ليتعلم أن المال لا يوضع في الرفوف أو في أي مكان، وجميل أن يفتح الأب محفظته أمام طفله ليتعلم منه كيف يرتب الفئات النقدية بشكل يسهل الوصول إليها وقت الحاجة بدل أن تكون مبعثرة، فلا شك أن القدوة تلعب دور في هذه الثقافة.

لا تركز على إخفاقات طفلك تجاه المال، ولا توبخه عليه، فهو في مرحلة التدريب وبحاجة للصبر ليكتسب المهارة، وهذا السلوك يتفاوت كمهارة بين الأطفال فالبعض يتقن المهارة أسرع من الآخر، وهنا يجب ألا نقارن الأطفال ببعضهم فنقول: فلان أحسن من فلان أو فلان أشطر من فلان، فهذه الكلمات جارحة وتفقد الطفل متعة الاستمتاع بالتجربة، بالإضافة إلى أنها تولد الكره والبغض بين الأطفال.

إنَّ محاسبة طفلك على المال الذي أعطيته إياه ضروري جدا، كأن تسأله: بكم اشتريت؟ وكم بقي عندك؟ وماذا ستفعل بباقي المبلغ؟ وهل قمت بِعَدّ نقودك قبل مُغادرة البقالة؟

هذا الأسلوب سيجعله يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، وسيزداد حرصه على ماله، وهي أيضاً ثقافة يجب أن يتعلمها الأطفال.

ومع استمرار الطفل بالحصول على المال سيزداد تعلقه به، لأنه سيكتشف أنَّ المال يحقق له بعض الملذات والرغبات كالحلوى والألعاب، وربما أوصله ذلك للتطلع إلى مال غيره، أو أن تمتد يده لمال ليس من حقه حينما لا يكون متوفرًا بين يديه، وهنا لابد من غرس قيمة الأمانة، فنخبره: كيف أن المال رغم تحقيقه السعادة لك فلا يجب أن يسبب التعاسة لغيرك من خلال أخذه بغير حق، وأن إرجاع المال لأصحابه ألذَّ من أخذه بغير حق.

أجعل لطفلك مصروفا دوريا كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر حسب ما تراه أنت مناسبًا كأب لوعي وإدراك طفلك، ثم تَدَرج معه بزيادة المصروف الدوري كلما شعرت أنه قادر على إدارته، مع الاستمرار في محاسبته وغرس قيم الأمانة والمحاسبة، وحسن التصرف في المال.

لا تغرق طفلك بمال أكثر من حاجته فيطغى ويبذر ويصبح سفيها في الإنفاق، وفي المقابل لا تقتر عليه فيتحسر ويُحْبَط، فينظر إلى ما عند غيره، وربما أخذته رغبته في الحصول على المال بطرق غير شرعية للحصول عليه والعياذ بالله.

اربط طفلك بتعاليم الدين، أخبره عن قصص الأنبياء والصحابة وسير الصالحين، كيف كانوا ينفقون مالهم، وكيف كانوا يراقبون الله فيه، وكيف أنهم جعلوه وسيلة لا غاية لتسهيل أمورهم ومساعدة غيرهم، وكيف طلبوا به رضا الله، وليس تحقيقاً لرغباتهم وأهوائهم، وصرفوه في الحلال لا الحرام.

خصص في البيت صندوقاً للصدقة، وحث أبناءك عليها، فهناك المحروم وهناك المحتاج وهناك من لا يجد ما يسد حاجته، فيشعر طفلك بالنعمة التي هو فيها، ويشعر بتقدير ذاته وأنه عزيز بهذا المال، وأنه ساهم في سعادة الآخرين.

 

تعليق عبر الفيس بوك