د. عبدالحميد إسماعيل الانصاري
ذكرتُ قصة نجاح الحركة النسوية السعودية في سبيل حقوق المواطنة، بتقديم قراءة مستقلة عن "الفهم الذكوري" لوضعية المرأة في المجتمع الإسلامي، وحرصت النسوية السعودية على كشف زيف كافة تبريرات السلطة السياسية بأن "الدين" و"المجتمع" هما الرافضان إعطاء المرأة السعودية حقوقها بهدف استدامة وضعيتها الاجتماعية المهمشة.
حرصت النسوية السعودية على دحض هذه التبريرات التي تروجها السلطات العربية لبيان تقدميتها على مجتمعاتها، لذلك ركزن حملتهن على أن قضيتهن ليست ضد "الإسلام"، لكنها ضد النظرة النمطية التراثية للمرأة كما تصورها كتب التفسير والحديث والفقه، وهي نظرة دونية غير إنسانية تخالف نظرة الإسلام للمرأة .
انظر على سبيل المثال: نظرة الإمام فخر الدين الرازي إلى المرأة، وهو شيخ المفسرين ويعد تفسيره أكبر تفسير، عندما جاء يفسر قوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) يقول: (خلق لكم) دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع، وهذا يقتضي أن لا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف كالرجل؛ أي خلقن من أجل متعة الرجل لا العبادة. والسؤال: لماذا؟ يجيب شيخ المفسرين أن ذلك مرده سببين: لأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كالرجل، ولأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة فشابهت الصبي. ويستطرد في تعليلات ذكوريّة خالصة مناقضة تمامًا لكتاب الله الذي نص في كافة آياته على أن المرأة مكلفة مثل الرجل تمامًا وأن الله خلقها لعبادته لا لتسلية الرجل وإنجاب ذريته.
أما شيخ الإسلام الإمام أبوحامد الغزالي، فيحشد في كتابه الذائع الصيت "إحياء علوم الدين" كل المرويات الموضوعة والضعيفة المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام والقصص الواهية التي تفيض ذكوريّة؛ ليرسخ صورة نمطية عن المرأة قوامها: أن المرأة بطبيعتها سيئة الخلق، وركيكة العقل، وأن على الرجل الزوج أن يكون على حذر منها، فكيدها عظيم، وإياك أيها الزوج أن تكرم المرأة، إن أكرمتها أهانتك؛ بل عليك أن تهنها حتى تكرمك. والسؤال هنا: لماذا يا شيخ الإسلام؟ يجيب: لأنَّ المرأة خُلِقت معوجة!
لن استطردُ في ذكر أقوال الفقهاء القدامى في المرأة، وهي كثيرة جدًا، وربما يقول البعض إن هذه الأقوال لا تمثل رأي الفقهاء في المرأة وإنما القلة منهم، والحقيقة أنها الصورة النمطية عند كافة فقهاء الماضي، بل هي الصورة المترسخة لدى كافة أهل الفكر والثقافة والفلسفة في تلك العصور، وليست مقتصرة على الفقهاء، هي (ثقافة) تلك العصور عند المسلمين وغير المسلمين .
وبطبيعة الحال فليس المقصود لوم الفقهاء القدامى أو تخطئتهم، وإنما توضيح أن الفقهاء إنما يعبرون عن ثقافة عصرهم ولا تثريب عليهم في مسايرتهم الأعراف الثقافية السائدة فِي تأويلهم النصوص بما يتماشى ومصلحة الرجل انسجاماً مع ذكوريّة المجتمع (الكتاب القيم: الموروث وأثره في التشريع الإسلامي: البشير المشري).
لقد ترسخت هذه الصورة النمطية للمرأة عبر القرون، حتى وصلت إلينا في العصر الحديث، عبر الكتب التراثية، والخطب الدينية، والمناهج التعليمية، والتنظيمات الدينية المغالية مثل: طالبان، والقاعدة، وداعش، وبوكوحرام، وغيرها.
لماذا نستغرب موقف طالبان من المرأة؟ طالبان وغيرها من الجماعات المتشددة تجاه المرأة، هم طلاب علم أوفياء لثقافة ذكوريّة متخلفة تشربوها في معاهد دينية على أيدي معلمين دينيين يرون المرأة كائناً ناقصاً.
من هنا.. أهمية استقلال المرأة بإنتاج المعرفة الدينية المتعلقة بحقوقها ومكانتها ودورها في البيت والمجتمع، بعيداً عن هيمنة المعرفة الذكورية المنتقصة لإنسانيتها .
أصدقاء أعزاء يقولون لي: لماذا تركز مقالاتك على حقوق المرأة؟ وأقول: لست متحيزاً لجنس النساء ضد الآخر، لكني مؤمن بأنه لا نهضة ولا تطور ولا بناء لأوطاننا في ظل مواطنة منتقصة. علينا تصحيح نظرتنا للمراة المواطنة، فهي كالمواطن لها الحقوق والالتزامات نفسها،، وهذا لن يتم إلا إذا حررنا عقولنا من قبضة الماضي وأزلنا الصفة التبجيلية عن الأقوال الفقهية، واستقلت المرأة بإنتاج المعرفة الدينية.
** كاتب قطري