"ألوان الحُب الثمانية"

 

أنيسة الهوتية

فِي لَيلةٍ قَمراءَ مِن مُنتصف لَيالي الأيام البيض، وَبعَدَ أَن أرسلتُ الكثيِرَ مِن الدعواتِ والأُمنياتِ إلى السَماءِ وَقبل أن أطويِ مَجلس الدُعاء رأيتها تِلك الصغيرةُ تَجلس في زاويةٍ ظَلماء مُتقدمةً توأمها الأكبر مِنها بأيامٍ فقط وإخوتها الصِغار الذين كانوا نائمين خلفها على تِلك المِخدات والرفوف، إلا هي كانت تنظر لي بقلبها لا بعينيها، وَقد َبدا على ملامحها رغبة الإقلاع مَع تِلك الأُمنيات وباكتفائها من النوم كاليرقةِ المُنتظرة يوم التحول إلى فراشة مُنطلقة بطيرانها إلى الدُنيا فتستمتع بِجمال العالم ويستمتع العالم بجمالها، وكانت رَغبتها مَمزوجةً بِالخَجَل فأنهتهُ بالصمت وأغلقَت قلبها كعينيها المغلقتين اللتين لطالما تمنتا أن تريا عيون الناس بألوانها وأشكالها المختلفة وتقرأ مشاعرهم من خلالها بينما هُم يقرأونها، فغطت نفسها بدموعها المتحولة إلى غُبارٍ ونامت صغيرتي.

إلا لأنني أُمها فإنها لَم يهُن علي أن تنام بحزنها، فذهبتُ إليها وأخذتها مِن نومها ونفختُ فيها من حُبي العَميق لها، بِعمق السنين التي صاحبتني فيهِا مُذ كانَ عُمري أحد عَشرَ عامًا وأنا أكتبُ في صفحاتها، وأمسح وأنقص وأزيد، حتى وضعتُ عليها القفل قبلَ أيام معدودة، وعندما فعلتُ ذلك، عَلِمت هِيَ أن هذا هو الوقت للتحول من شرنقة إلى فراشة، فأرسلتها مَع بَقيةِ الأُمنياتِ إلى السماء ثُم طويت مَجلس الدُعاء.

انتظرتُ كَثيرًا سُقوطَ تِلك الأمنيات من السماء عَليّ مطرًا، واحدةً تَلو الأخرى مُشعةً بِتحقق الإنجاز، فأتت بعضها مُشعةٌ وأُخرى خاوية، وبعضٌ مِنها لَم تأتِ أبداً.. إلّا أنني كُنت مُمتلئةً بِتَمام الرضا وعَدمَ الاستعجالِ، فإنني والصَبرُ نُشكلُ فَريقًا ناجحًا بِجدارة.

إلى أن وَصلتُ أنا وصديقي الصبر إلى مرحلة فُقدان الأمل، فقررنا أن نطوي صفحة الانتظار فإننا لربما نلقاها في عالمٍ آخر، وزمنٍ آخر، بشكلٍ أجمل مِما نتصورهُ الآن. إلا أننا لَم نَكُن على عِلمٍ بأنَّ صغيرتي كانت قد سَقطتَ كَنجمةٍ وَرديةٍ مِن السماء عَلى أرضِ بَعيدة، والتقطها مَن آمن بجمالها وتحققت عَلى يَديه فتحولت إلى إنجازٍ جَميل في مَملكة دار الدراويش بألمانيا. وَستطير فراشتي الجميلة بألوانها إلى العالم وتُحقِقُ ما كانت تتمنى في أيامها الماضية حين كانت شرنقة.

تِلك هي باختصار قِصة ميلاد كِتابي الأول "ألوان الحُب الثَمانية"، والذي لا أُصنفهُ بأيٍ مِن المُسميات الأدبية فهي ليست قصة، ولا رواية، ولا مسرحية، ولا حتى قصائد أو شعر أو نثر، إنها خليط بين كل ذلك، وهي خفيفةٌ جِدًا، رغم عُمقِ وَكَثافةِ محتواها مِثل المقبلات والمقرمشات الدسمة الشهية واللذيذة، والتي رغم لذتها إلا أنها لا تتواجد في قائمة الوجبات الرئيسية. عُشاق القراءة سينهون تناولها في يومٍ أو يومين بالكثير؛ لأنها ستكون مشوقة وسريعة لدرجةِ أنهم لَن يستطيعوا إقفال الصفحة وانتظارُ الإكمال في وقت لاحق إلا للضرورة القُصوى.

أغلب الشخصيات حقيقية، والأحداث كذلك، إلا أن التزامن والجمع بينهم تحت سقفٍ واحد خيالي، ولربما ستكون تلك خُلاصة ما يقارب الثلاثين عامًا في صفحاتٍ قليلة ستضع تحت المجهر ألوانًا مِن الحُب تنبع من قلوب البشر لبعضهم البعض. وفيها أكثر من قصةٍ عاطفية وغرامية بعضها ينتهي بحزن والآخر بفرح، ومِنها ما يختلط بين هذا وذاك.

ولِكلِ شخصيةٍ تواجدت في كتاباتي احترامٌ وتقديرٌ ومحبة خاصة مني، فإنني لا أعتبرهم مجرد شخصياتٍ خيالية أحيك قصتها؛ بَل هُم أشخاصٌ يعيشون حولي وَمعي في أفكاري، وخوالج مشاعري، وعندما يراني الأغلب وحيدةً على طاولتي مع- لن أقول أوراقي وقلمي- بل "لابتوبي" (الحاسب الآلي المحمول)، فإنني لن أكونُ وحيدة؛ بل مزحومةٌ بهم، أتقمصهم وأعيش معهم كل شعورٍ وَموقفٍ يمرون بِهِ.