ناصر بن سلطان العموري
كم تألمتُ واعتصر القلب كمدًا وأنا استمع لمكالمة مواطن على إحدى الإذاعات المحلية عبر برنامجها الجماهيري المُباشر، وهو يشكو قلة الحيلة وضعف الحال، فما الذي أوصل هذا المواطن لحالة من اليأس الشديد وخوفه وقلقه على معيشته ومستقبل أولاده لدرجة أنه يحلف بالله أنه لا توجد في بيته حبة عيش والعيش (أي الأرز) كما نعلم هو أبسط الوجبات الغذائية التي تتوافر على مائدة كل عماني، ويعتمد عليها اعتمادا كليًا في تغذيته اليومية.
وحقيقة لا اتفق من يريد أن يغطي على الموضوع ويُغلفه بغلاف الأعذار في خارجه، وفي محتواه عكس ذلك من ألم ومعاناة، فالبعض يعتقد أن ما يُنشر ويُبث من تسجيلات صوتية ومقاطع فيديو ينطوي على نوع من المبالغة والاستعطاف، وهذا كلام مردود عليه، فما الذي يستدعي حرًا أبيًا أن يقول ما يقوله أو يصوِّر ما يصوِّره غير وصوله لطريق مسدود، وأنه لم يجد وسيلة لبث شكواه سوى مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. وما نسمع عنه ونراه هي أحداث مجتمعية واقعية يجب أن تُرصد وتُحلل من قبل الجهات ذات العلاقة، فلا دخان دون نار، والواضح للعيان أنَّ هناك خللًا في النظام الاجتماعي ينبغي إصلاحه قبل فوات الأوان، وإلا ظهرت مشاكل مجتمعية مصاحبة لا حصر لها.
إنها رسائل من رحم المُعاناة أحببتُ أن أنقلها عبر هذا المقال إلى ولاة الأمر والمسؤولين، مصدرها عامة الناس من شرائح المجتمع المختلفة، أنقلها كما سمعتها بكل أمانة لعلها تجد آذانًا صاغية:
راتب الضمان الاجتماعي: ضرورة الانتهاء من مراجعة راتب الضمان الاجتماعي، فقد أخذ وقتًا طويلًا في المراجعة تعدى الخمس سنوات، وهذا لا يتناسب مع ما يشهده العالم من ارتفاع لمؤشرات التضخم وزيادة الأسعار، أضف إلى ذلك وجود المُسرَّحين والعاطلين عن العمل وسط هذه الأسر؛ الأمر يستوجب وجود تغيير حقيقي للراتب، لا سيما في هذا العصر، الذي صار فيه الغلاء عنوانًا والضرائب منهاجًا؛ فالوضع أصبح صعبًا لا يُحتمل على الكثيرين من أبناء الضمان الاجتماعي، وسط هذا العصر المادي البحت فلا مُعيل لهم بعد الله سواه.
أزمة الباحثين عن عمل: كثيرٌ ما نسمع عن الوظائف التي توفرها وزارة العمل عبر الصحف ووسائل الإعلام، لكن في المقابل ما زلنا نسمع عن مآسي الباحثين عن عمل؛ فمنهم المحتاج، ومنهم المعوز، ومنهم من أصحاب الضمان الاجتماعي؛ فإلى متى والوافد ما زال يتمسك بالوظيفة والمُواطن في قائمة انتظار التوظيف يترقب وينتظر بلهفة ذلك الحلم الجميل، الذي لو تحقق سوف تتحقق بعدها كل أمنياته. رسالة إلى وزارة العمل أمامكم عمل كبير وشاق ولعلها التراكمات السابقة من أسباب تأخير عجلة توظيف أبنائنا، ولن يتم إيجاد حل لها إلا من خلال إخلاص النية والعمل الدؤوب لصالح الوطن وأبنائه وهدم اللوبي الوافد الذي ما زال يتربص بالقطاع الخاص دون هوادة.
معضلة المُسرَّحين: هي القضية الشائكة التي لم ولن تحل إلى يومنا هذا، رغم اجتماعات وزارة العمل مع الشركات المُسرِّحة واجتهادات النقابات العمالية في ذلك، إلا أن ما يدعو للاستغراب مواصلة بعض شركات القطاع الخاص تسريح العمانيين دون توقف، والأغرب أن الوافد معزز مكرم، وابن البلد هو من تُقام على رقبته مقصلة التسريح، فإلى متى والحال نفسه لم يتغير.
فهناك من المسرحين من هم في غياهب السجون جراء الالتزامات المالية عليهم، وهناك من ساءت حالته النفسية وهو بين جدران منزله الأربعة ينظر لحال أولاده بكل أسى ينتظر الفرج في تعيين جديد والعودة للحياة؛ فهي من تهب له روح النجاة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال التشديد على الشركات المسرحة وتحديث القوانين لتكون حامية ودرعًا حصينًا لكل عُماني يعمل في القطاع الخاص.
المتقاعدون: هُم من لهم الجميل في بناء هذا الوطن لبنة لبنة... أما آن الأوان للنظر في حالهم وتقديم الامتيازات لهم من حيث زيادة رواتبهم التقاعدية ومكافأة نهاية الخدمة في القطاع الحكومي التي باتت لا تمثل شيئًا معتبرًا نظرًا لما لدى المتقاعد من التزامات وقروض تنوء بحملها الجبال، يجدها بانتظاره قاصمة ظهره بعد خروجه للتقاعد.. المتقاعد ينتظر العون وحبل النجاة الذي ينتشله من براثن الحاجة إلى العيش حياة كريمة مستقرة.
ما سبق رسائل مختلفة نبعت من صميم ما يواجهه المجتمع، فيا حبذا لو يتم تشكيل فريق بحثي من المختصين من كافة الجهات ذات العلاقة، يتمحور دوره في إرسال فرق بحثية مختلفة لكافة المحافظات لدراسة أوضاع المُجتمع، وما يواجهه أفراده من مشاق، ورفع دارسة بما توصلت إليه هذه الفرق البحثية بكل دقة وأمانة إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- فهم شعبه ورعيته يأملون أن يُغدق عليهم من خيرات البلد، فهو الكريم الأشم، وهم من يستحقون دون سواهم؛ فهم سواعد بناء للوطن لا يتقدم إلا بهم.