سارة البريكية
رحل عن عالمنا هذا الأسبوع الشاعر الكبير هلال بن محمد العامري، وقد مثَّل رحيله لي ألمًا نفسيًا كبيرًا، ليس لأنَّه الأب الروحي للشعر المعاصر في عُمان، لكن لأنه كان ربان السفينة التي التحقت بها في 2004؛ حيث كانت بدايتي مع فن القريض، كان وجهه المنير ونصائحه المستمرة الدافع الأقوى والتحدي الكبير لمواصلة مشوار طويل جدًا بدأ ولازال شاقًا طريقه إلى الأمام كان دائمًا يقول: "استمري وكوني في الطليعة ولا تقفي أبدا وأنا فخور بك".
كانت أيام الملتقى الأدبي العاشر في ولاية صحار هي التي شكلت شعلة البداية في عالم الشعر والكتابة والثقافة والأدب وكان هو الداعم الأكبر لذلك الحب والانطباع الجيد الذي دفعني لمواصلة مسيرة العمل والعطاء في هذا الجانب وما زرعه في كل شخص رآه وقابله أو عاشره وجلس معه لهو كمية من الفخر والاعتزاز والتحدي الممزوجان بحب الوطن الغالي والمواصلة في مجال الثقافة والإبداع.
هو "الأب الروحي للشعر"، هكذا أسماه الجميع واتفق على ذلك الجميع، فكان نعم الأب الحاني على أبنائه الصغار كان الموجه والمعلم والربان يشق عباب البحر الهائج بنا إلى بر الأمان يوازن السفينة في لحظات هيجان البحر، فتفوز الدفة التي كان يقودها. دائمًا كان حريصاً علينا محبا لنا دافعا كبيرا لمسيرتنا ومعطاء لأبنائه وأحفاده ومحبيه وعالمه المختلف المتفرد وشعور السعادة التي نحس بها كلما رأيناه أمامنا متماسكا قويا رغم استمرار المرض الذي أنهكه كثيرا ولكن دفاعه المستميت من أجل بقائه قويا مع أبنائه كان أعظم إحساس وأعظم حب لمسناه منه وأعظم قوة وما كانت جنبات النادي الثقافي إلا لحظات جميلة توجت مسيرة العطاء، نعم لقد لمنا كأسرة واحدة البعيد والقريب الأصغر والأكبر وجمعنا تحت كنف واحد وحضن واحد فكنا نتسابق للمشاركة في مختلف مسابقات وفعاليات وأماسي عمان من أقصاها إلى أقصاها تحفنا جميعا عناية الله ووجه أبينا الملائكي وحبه الكبير لنا.
كان في كل وعكة صحية يمر بها يعود إلينا بشكل أقوى وكنت دائمة السؤال عن حاله، فما كان منه إلا أن يطمئنني عن وضعه الصحي وأنه بخير وأنه يستمد القوة من أبنائه الذين لم يتخلوا عنه والذين ظلوا دائمي السؤال عن والدهم ومتابعين له بغض النظر عن من تخلف وشق طريقه بعيدا عن عوالم الشعر والثقافة والأدب وكان ينتظرني ووعدته بزيارة قريبة للسلام عليه ولكن الحياة تشدنا وتجذبنا نرانا تارة هنا وتارة هناك نلملم شتات أوقاتنا ونتحدى الظروف لنبقى بقوة وعزيمة هذه المرة لم يطمئني أنه بخير فقد تسارعت الرسائل وضجت المواقع بخبر وفاة أبينا الشيخ الشاعر الأديب الكبير هلال العامري كخنجر سل في خواصرنا ونحن على غفلة من أمرنا لاهون في هذه الحياة وبهرجها وأيامها وتفاصيلها التي تتشابه خصوصا عند الغياب.
أبي هلال..
لم تمر مرور الكرام فأنت ربيت جيلا قويا متماسكا لن يتكرر جيلا من الأدباء والمثقفين الذين يرونك القائد والأب ومكمن القوة سيأتي معرض الكتاب حزيناً بدون إطلالتك وستكون الملتقيات الأدبية بلا ملح أما عن أماسي النادي الثقافي وندواته فستصبح بلا طعم ولا لون ولا رائحة فكل شيء بعدك أصبح كئيباً لكننا نعاهدك معاهدة الابن لأبيه بالاستمرارية والعطاء ومواصلة تحقيق البناء في عوالم وجنبات وأزقة الشوارع الأدبية والملتقيات الثقافية وحب الخير لهذا الوطن الغالي الكبير.
كان السبت الماضي ثقيلا جدا كان حالك السواد بعد خبر الوفاة الذي صعقنا وباتت دموعنا بالنزول تباعا وانفض الليل السامري وفاضت مياه البحر وتوقف الضجيج الذي كان عاليا في قاعة الملتقى الأدبي التي ضمت آخر هتافات البقاء وسقطت الورقة من يدي لتطير إلى حيث لا أعلم لعل الملتقى قريب يا أبي ولعل الساعات التي لم تسعفنا للقاء في هذه الحياة ستسفعنا في العالم الآخر.
نم قرير العين بعد التعب.