زيادة المنح والبعثات الدراسية الخارجية

 

 

د. حميد بن فاضل الشبلي

humaid.fadhil@yahoo.com

 

مضت سنتان حملتا معهما ذكريات مؤلمة، وذلك بعد تفشي فيروس كورونا وما خلفه من انهيار اقتصادي وهبوط حاد لأسعار النفط، لذلك شرعت الحكومة في سلطنة عُمان لاتباع سياسة مالية جديدة، وذلك عبر تطبيق خطة التوازن المالي.

وتسبب ذلك في فقد مزايا كثيرة كان ينعم بها الفرد، ولعلَّ من أهمها تخفيض عدد المنح والبعثات الخارجية للطالب العُماني والتوجه للمنح الداخلية، مما تسبب في تحطيم أحلام كثير من الطلبة الذين كانوا يحلمون بالابتعاث الخارجي، لكن قرار تخفيض البعثات الخارجية لا يخدم مصلحة الوطن؛ حيث يجعلنا بعيدين من الاستفادة والانخراط مع آخر ما توصل له غيرنا من العلوم التي تساهم في تقدم وتطور شتى مجالات الحياة.

في هذا السياق سوف أعرض تجربة اليابان وكيف لحقت بالدول المتقدمة؛ حيث لا يخفى على الجميع أنَّ اليابان مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م تعرضت إلى أكبر كارثة بشرية، حين ألقت عليها أمريكا قنبلتها الذرية على مدينة هيروشيما التي دمرتها بنسبة ‎%‎90، ثم أتبعتها بقنبلة أخرى بعد ثلاثة أيام على ناجازاكي مما زاد معاناة المجتمع الياباني في واحدة من أسوأ حقب التاريخ الياباني، أعقبها انهيار تام للاقتصاد، وتعطل كامل لدورة الإنتاج، مما أوجد مجاعات كبيرة ومأساوية.

بعد تلك الحقبة المؤلمة للشعب الياباني بدأت بعدها قصة نجاح وإعجاز، وهو ما نراه اليوم من تطور حضاري وتكنولوجي واقتصادي في اليابان، جعلها في أعلى مراتب الدول المتقدمة في العصر الحديث، حيث أول ما فكرت فيه اليابان لوضع خطة العودة للحياة، حين بدأت بالتركيز والاهتمام بالحركة العلمية من خلال تأهيل المعلمين ومن ثم تشييد المعاهد والمدارس والجامعات في كل أنحاء البلاد، وتكثيف المنح الدراسية الخارجية لزيادة الانخراط بالعالم الخارجي لكي ينقل الطلبة المبتعثون التجارب والخبرات من الدول التي ابتعثوا لها في خدمة مجتمعهم الياباني؛ حيث هدفت اليابان بفضل هذه الخطوة الكبيرة أنه لم يعد العلم حكرا على أبناء العائلات الثرية؛ بل أصبح لكل فرد الفرصة لأن يكون متميزًا بحسب تحصيله العلمي وليس بحسب مكانة عائلته الاجتماعية، هذه التجربة المبنية على زيادة البعثات الدراسية الخارجية لم يكن نهج اليابان فقط، حيث نجد مثل هذه التجربة الناجحة موجود في تجربة سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول التي اهتمت بالعلم والعلماء.

وفي سلطنة عُمان حين تولى السلطان قابوس- طيب الله ثراه- الحكم في البلاد، كانت البلاد تُعاني من تراجع علمي وحضاري واقتصادي وتجاري، مما دفع الحكومة لإرسال بعثات دراسية خارجية لكي تعود للوطن بفكر تنموي يعجل من تطور وتقدم السلطنة في مختلف المجالات، وهو ما شهدته البلاد من سرعة تطور وازدهار بفضل توفيق الله ومن ثمَّ الاستفادة من تلك العقول الوطنية التي اكتسبت الخبرات من خلال البعثات العلمية التي منحتها الحكومة لفئة النخبة من طلبة الوطن.

لذلك وفي ظل النهضة المتجددة التي يقودها مولانا السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والمتجسدة في رؤية عمان "2040" التي تحث على النهضة العلمية والبحث العلمي والابتكار والاستفادة من الخبرات العالمية، نتمنى من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار إعادة النظر في زيادة المنح والبعثات الدراسية الخارجية، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة الأخرى كوزارة المالية من أجل توفير السيولة المالية لزيادة هذه المنح والبعثات.

ختامًا.. الجميع يقدر الظروف الاقتصادية والمالية التي مرَّ بها الوطن والعالم، لكن كلنا تفاؤل وأمل بتسخير الإمكانيات لمنح النخبة من طلبة السلطنة فرصة الدراسة في التخصصات التي حلموا بها ضمن الجامعات العالمية المشهود لها بالكفاءة العلمية والبحثية، لذلك من المُؤسف ذهاب بعض الطلبة لدراسة تخصصات داخل السلطنة لا تتوافق مع نتائجهم العلمية الكبيرة وطموحاتهم المستقبلية، والسبب هو قرار تقليل نسبة الابتعاث الخارجي، ولكن الجميع الطلبة وأولياء الأمور يأملون أن يكون عام 2022 عام خير وبركة يفتح لأبنائهم آفاقاً واسعة، وذلك من خلال رفع نسب المنح والبعثات الدراسية داخليا وبكل تأكيد خارجياً.. آمين.