المكالمة مسجلة!!

 

يحيى الناعبي

في الفترة التي نسمع فيها توجهات الحكومة لتوسيع رقعة المشاريع الاقتصادية والخطط الاستثمارية المؤمل العمل عليها في المنطقة الاقتصادية في الدقم، ينتابني سؤال وأعتقد أهميته وهو هل فعلا لدينا النظام الإداري الكُفء في إدارة المشاريع الكبيرة؟ إذا كنّا لا نزال لا نستطيع أن نعالج أبسط الأمور الإدارية في المؤسسات الخدمية مثل إعادة التيار الكهربائي المقطوع عن منزل مواطن بعد دفع الفاتورة المستحقة.. فكيف يمكن قيادة دفة مشاريع عملاقة بحجم المؤمل منه في منطقة الدقم؟

قد يتساءل آخر وما دخل هذا بذاك؟ أقول إنَّ هذه منظومة متكاملة تبدأ من الطريقة التي يتعامل بها في أبسط الأمور الإدارية لتكون الدليل على ماذا، وكيف يتم التعامل في الأمور الإدارية الأكثر تعقيدًا.

ومن خلال تجربة إعادة تيار كهربائي مقطوع عن المنزل بعد دفع الفاتورة، اكتشف بيروقراطية موظفي شركة كهربائية تخص قطاع جنوب الباطنة، في إعادة التيار الكهربائي بالشكل الغريب والعجيب وحتى كتابة هذا المقال أكملت 10 أيام دون فائدة؛ حيث تم دفع المبلغ وما زال التيار مقطوعًا، كل ذلك بسبب الجهل بكيفية خلق نظام إداري مترابط يتم تحديثه باستمرار، ولذلك كلّما اتصل صاحب العلاقة عليه أن يسرد قصة الدفع منذ دخوله مكتب التسديد مع كل موظف ويردد سيناريو الدفع!

طبعًا، استطاعت الشركة أن تتمسح بالأنظمة المتحضرة في التعامل مع المتصل والتي تستخدم في دول تحترم المتصل باحترام الموظف وهو الرد الآلي الذي يبلغ فيه المتصل بأن المكالمة مسجلة!! من أجل ضمان حق العميل والموظف.

كيف للمكالمة أن تكون مسجلة والمتصل في كل مرة يتم وعده بأن التيار الكهربائي سوف يعود بعد ساعتين إلى أربع من انتهاء المكالمة وعلى مدار عشر أيام!! حتى إن العميل أو المستهلك نسي ما هو الذي سيعود بين ساعتين إلى أربع ساعات! لو كانت المكالمة مسجلة بالفعل لتم إعادة التيار الكهربائي بعد أول مكالمة (لأنها مسجلة!)، ولكن يبدو أن التسجيل يتبخر مع المكالمات، وخصوصًا وأن المتصل يتعامل مع ما يسمى "Call Center" يعنى أن المكان مجهول لا تعرف أين يكون!

للأسف.. البيروقراطية الإدارية ظاهرة متفشية بين موظفي المؤسسات سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، وهذا بدوره يضعف من الأداء الوظيفي؛ لأن الموظف في شعوره البيروقراطي ينظر إلى الأنا الداخلية مع نفسه على أنه يمارس سلطته الوظيفية من منظور المتصرف بكليّة بالأمور وليس المتصرف وفق الدور المنوط به في خدمة العميل. لذلك من التراجيكوميديا العمانية أن الجميع في كل قطاعات الدولة يشتكي من هذه البيروقراطية دون أن يعي أن سُم البيروقراطية منتشر في جسده، والسبب واضح وهو أنهم كلهم يعتبرون أن الوظيفة ملكية وليس أداة خدمة. ومن ثم يشتعلون في مواقع التواصل الاجتماعي عن المسؤولين وفسادهم! ناسين أن كلّ من كلّف بمهمة مهما بلغت درجتها ومستواها فهو مسؤول ويجب أن يراقب نفسه قبل أن يفكّر في مراقبة من هو أعلى منه.

طبعًا من الأخطاء الإدارية التقييمية في مؤسسات القطاعين، أن الموظف يتم تقييمه من قبل المسؤول عنه، وهذا بالطبع أسلوب فاشل بكل المقاييس في الأماكن التي ينتشر فيها الفساد الإداري والبيروقراطية المترهلة؛ لأن- وقد ذكرنا مرارًا- المحسوبية والمحاباة هي المتغلبة، والإجحاف والغبن هما نصيب المجتهدين والعاملين بصمت. ومن خلال تجاربنا مع مؤسسات أجنبية ناجحة، وجدنا أنَّ العميل أو ما يسمى "Customer" سواء كان مواطنًا أو مقيمًا، هو من يقّيم عمل الموظف من خلال ما يسمى بـ"المكالمة المسجلة"، فبعدما يتم التعامل يُبعث استبيان للمتصل يقّيم فيه مستوى الموظف وخدمات المؤسسة، وليس زميله الذي يقبع في مكتب آخر، حتى وإن كان أعلى منه درجة ومرتبة.

نعود ونكرر مرة أخرى، البيروقراطية والاستثمار لا يلتقيان، وبالتالي على المؤسسات في كل القطاعات أن تغيّر من الأسلوب الإداري العقيم الذي يراكم المشكلات ويزيد الأمر سوءًا ويؤثر على إثارة المجتمع، وبالطبع تؤثر على المستثمر والسائح وكل من له نية الزيارة لهذا البلد؛ لأنَّ حل الأمور البسيطة يفتح مغاليق الأبواب المعقدة، وعُمان في طريقها إلى المشاريع الكبرى التي ستغيّر الموازين في خارطة الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط، بسبب جغرافيا المكان ومميزاته، ولذا علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب الآخرين.