راشد بن حميد الراشدي
هو منجم ذهب بلا حسيب أو رقيب تجارة فاقت كل مستويات الخداع والتحايل على المُواطن الذي يبحث عن من يُعينه في ظروفه الخاصة التي لا يستطيع مُقاومتها إلا بهن، "فهن شرٌ لا بد منه وكفى"، وهن لسن مظهرًا من مظاهر الترف، كما يزعم البعض، لكنهن وسيلة سخرها الله منذ القدم بضوابط مُعينة وأسس محكومة.
اليوم أصبحت عاملات المنازل تجارة رابحة يدخل فيها أصحاب المكاتب من داخل وخارج السلطنة وكأني أرى بعينيَّ عصابات تُدير هذه العمالة وليس بتدبيرهن فقط. آلاف بلاغات الهروب، أبلغ الكفلاء عنها، فلا حسيب ولا رقيب عليهن سوى ضرورة دفع تذكرة سفرها عند الإبلاغ عنها أو تحمل جميع تبعاتها وغرامة 1000 ريال.
تبدأ الحكاية من البداية ومع طفرة النفط في عُمان ودول الخليج عمومًا؛ حيث بدأت ظاهرة عاملات المنازل في البيوت للحاجة المعروفة مع تطور المدنية واحتياج الأسر الضروري لتلكم العاملات، فكانت أسعار استجلابهن بسيطة جداً، ولكن مع كثرة الطلب زادت الأسعار خمسة عشر ضعفًا إلى اليوم، وكانت العاملة تجلس مع كفيلها عشرات السنين، واليوم تجلس أشهرًا معدودات فقط، ثم تهرب لوجهة تمَّ التخطيط لها مسبقًا لنهب الذهب، فاستجلاب العاملة يكلف الكفيل على الأقل 1500 ريال دون التأشيرة وتبعاتها، ثم تجلس أشهرًا بسيطة وتهرب إلى حيث خُطط لها، ثم يأتي الدور على الكفيل الذي رمى أمواله في استجلابها، لدفع رسوم تذكرتها والإبلاغ عنها؛ فالعكس صحيح إلا معنا في عُمان، فبدلًا من تطبيق الغرامات والتعويضات على العاملة لضمان حق المواطن، أصبح الحق على المواطن الكفيل، وليت الخسارة تكون بسيطة لكنها بآلاف الريالات.
من يحمي المواطن من هذا النهب وهذه السرقة الممنهجة؟
فبعد هروبها تذهب للعمل في بيوت الغير بمبالغ خيالية أو تذهب إلى العمل في أعمال مُنافية للأخلاق فتكون عمالة سائبة تتكسب على حساب ذلك الكفيل الذي خسر ماله وخسر من أتى بها لتساعده في ظروفه الأسرية الصعبة. وتستمر في عملها سنين حتى تسلم نفسها أو تقع في أيدي فرق التفتيش فتجد تذكرتها في الحفظ والصون لتعود إلى بلدها وهي محملة من منجم الذهب بما استطاعت حصاده.
إذن.. اليوم وجب أن ندق ناقوس الخطر لهذا العمالة الهاربة وفق منهج مدروس بعد أن كثرت ألاعيبهن على الكفلاء وبصورة واضحة جدًا درءًا للخداع والتحايل اليومي وخسارة المواطنين لأموالهم دون حسيب أو رقيب؛ فالقانون في صفهن بما يقدم لهن من تسهيلات، ولسان الحال يقول "اذهبي للعمل ثم اهربي وعملك مضمون ثم سلمي نفسك وتذكرتك مضمونة وستعودين بما تجنين من أرباح"! هذه استراتيجية العمل التي تأتي بها عاملات اليوم.
إنني أطالب بحلول لهذه الظاهرة المتكررة من الجهات المعنية من خلال إيجاد: 1) عقوبات رادعة للعاملات، 2) وجود تأمين للعاملة تدفعه ويلزمها العمل لدى كفيلها وعند إخلالها بالعقد والهروب يعوض به الكفيل، 3) أي إجراء آخر تراه جهة الاختصاص مناسبًا.
أوقفوا هدر مال المواطنين من خلال مثل هذه الظواهر المقيتة والمتكررة فهذه سرقة بالإكراه. فما ذنب من يبحث لزوجته أو أمه أو عمته أو خالته عمن يعينها في خسارة هذه الأموال الكبيرة.
إذًا هذا هو منجم الذهب الذي يجب أن تتضافر الجهود؛ لاحتوائه واحتواء هذه الظاهرة بالحلول السريعة الناجعة.
عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية