الرياضة أصبحت صناعة

 

 

المعتصم البوسعيدي

 

اللفتة السامية الكريمة من لدن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- لدور الأندية الرياضية أثناء لقائه مع شيوخ ورشداء وأعيان المحافظات، كانت مؤشرًا إيجابيًا نحو تطلعات مستقبلية قادمة، تعاظمت مع إشهار مجموعة من الأندية الجديدة، وباتت الكرة في ملعب وزارة الثقافة والرياضة والشباب من جهة والأندية الرياضية من جهة أخرى، دون أن ننسى الاتحادات وما يُعول عليها من عمل كبير ومُختلف، إنما ثمة حديث آخر لجلالته- أعزَّه الله- كان غاية في الأهمية وربما الأهم؛ حين قال: "اليوم الرياضة أصبحت صناعة".

من يتقن الرياضة يعلم جيداً أنها باتت استثماراً ناجحاً في اقتصاديات الدول، ومنتجا جاذبا لكل فئات المجتمع، ومن يستحضر التاريخ يدرك تأثير الرياضة في كل جوانب الحياة الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسة وغيرها؛ فبها عمَّ السلام وبسببها قامت حروب، وعلى مدرجاتها اهتزت كراسي وتبدلت دروب، أغنت فقراء وطبطبت جراح وآنست شعوب، وفي سمائها لمعت نجوم ودونها آفلة مع شمس الغروب.

خرج الماء من نبع الطيب ليجد الكير يعلو بغلو المتشائمين، وسُرِقَ الملح حين وضِعت قدور الطعام للحالمين، لا لشيء إلا ليفقدوهُ لذة الطعم وفرحة الجائعين، تماماً كما تُسرقُ أفكارنا نحو اتجاهات لا معنى لها؛ فنحن لا زلنا نبحث عن المتسبب في وضعنا الرياضي الضعيف، هل الأندية أم الاتحادات أم الوزارة، ولا زلنا نهرول بحديثنا حول ما ستقدمه الأندية الجديدة ونعقدُ المقارنات ما بين مؤيد ومعارض، وهذا جيد، ولكن تركنا الأهم في مناقشة كيفية تحويل رياضتنا للصناعة، تماماً كما فعلنا مع رؤية "الصناعة المزدهرة" التي لم تزدهر؛ فلم نتجرأ على اتخاذ الخطوة التالية، وظللنا نسوف واقعنا الذي لا يزال غير قابل لهذه الفكرة أو ليس مهيأ لها، ثم بعد وقوع الأمر حاولنا أن نثبت خطأ الاحتراف لا صحته، وننهي المشروع لا أن نصححه ونكمله، لماذا؟ أليس الواقع وجد من أجل التغيير، والتغيير لابد له من بداية مهما كانت ومهما كان مُحدثها، ثم ها نحن اليوم نقف مثل الأمس لا واقع مهيأ ولا بيئة صالحة، فهل نقف مصعرين الخد ونرضى بالجدال على ردات فعل تحدث بين فترة وأخرى على مواضيع يفترض أنَّها من بديهيات العمل الرياضي.

سيتردد حديث جلالته- أبقاه الله وأيده- في الصحف والمجالس والمقاهي واللقاءات، وستنشر قصص الصناعات وتجاربها، وقد توضع الخطط والرؤى، لكن هل سيكون هناك تنفيذ، ومن سيُقنع الخائفين بركوب السفن وأمواج البحر متلاطمة، ومن سيقتلع القانعين "بمد لحافك على قد رجولك" بأن "فطَعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ كطَعمِ الموتِ في أمرٍ عظيم" ويا للحسرة والهوان حين لم يحرك الموت فينا إلا قلقاً كقلقِ الأمم المتحدة المستمر والوضع "لا جديد تحت الشمس"!!