جيل اليوم والذكاء الاصطناعي

 

سالم البادي (أبو معن)

 

كنَّا نسعى لمحو أمية تفشت بين المجتمعات مكافحين من أجل مسح خارطتها قدر الإمكان وهي الأمية الأبجدية المتعلقة بالقراءة والكتابة، والآن أصبحنا في صراع وسباق نحو محو أميه أخرى ألا وهي تلك "الأمية الرقمية" أو الإلكترونية أو المعلوماتية أو بمفهومها الكبير الأمية الحديثة المتطورة.

أصبح الحاصل على الشهادة المدرسية أو الجامعية البعيد كل البعد عن محتوى المنصة الرقمية أصبح أميًا بمعنى الكلمة، ولقد كان لابد ومن الضرورة القصوى أن نقحم هذا الجيل في عالم متسارع ومتطور وهو عالم رقمي أصبح أساس الحياة بكافة جوانبها السياسية والاقتصادية والتجارية والتعليمية والمجتمعية. ولا يعني هذا أن محو الأمية الرقمية هو مجرد تعلم فن استخدام الحواسيب وإنما هو بمدى إتقان وبلورة  الأفكار إلى واقع رقمي، والقدرة على التنقل في بيئة متكاملة مع أحدث  التقنيات المتنوعة.

وقد شهد العالم خلال الثورة الصناعية الرابعة تطورا كبيرا في عالم التقنيات الحديثة وخاصة في العالم الرقمي، وإنترنت الأشياء، والعوالم الافتراضية، وتأثرت بطبيعة الحال جميع القطاعات المختلفة ومن أهم هذه القطاعات بلا شك هو قطاع التعلّم والتعليم والذي حدثت به نقلة نوعية كبيرة جدًا وخاصة خلال السنوات الأخيرة وتطورت مجالاته بسرعة كبيرة وملحوظة وذلك بفعل تطوُّر التكنولوجيا.

هذا القطاع أصبح واقعاً ملموساً الآن في زماننا ودخل في عالمنا وجميع مجالاته المختلفة،  وأول إطلالاته ما أحدثه في قطاع العلم والتعلم. و"الذكاء الاصطناعي"  يعد لمستقبل واعد وبتحوُّلات متطورة ومتسارعة؛ حيث إنَّ الذكاء الاصطناعي يعتبر نوعاً من أنواع مفاهيم ومصطلحات  "علم الحواسيب" وهو علم  يبحر في عالم واسع من المعرفة والثقافة والعلوم والتقنيات الحديثة، حيث يطبق أساليب العلم الحديثة على الآلات ويجعلها تفكِّر مثل البشر، وتطبق هذه الآلات  ما يغرس فيها من المفاهيم والمعلومات والأوامر ويجعلها "كحاسوب له عقل" ويتم محاكاة القدرات الذهنية البشرية وأساليب عملها بالواقع.

ومن أهداف هذا العلم إحداث نقلة متطورة في أنظمة الآلات تكون على مستوى قريب من الذكاء البشري، وبحيث تصبح تطبيقاته تحاكي الواقع البشري التقليدي؛ فالهدف الأسمى هو إيجاد قاعدة بيانات معرفية تشمل جميع المفاهيم البشرية ووضعها في الحواسيب، بحيث تستطيع عبر الأدوات البرمجية البحث في هذه القواعد المنظمة، والقيام بالاستنتاج والاستخلاص والاستنباط وحلحلة المسائل والمشكلات، وهذا يحاكي أفعال وأعمال البشر حول ما يدور معه في عالمه.

وفي كل الأحوال.. إن الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته وتقنياته وتطبيقاته قادم لا محالة وبقوة إلى كافة المجالات؛ سواء التجاريه أو الاقتصادية أو الطبية أو التعليمية أو العسكرية أو الترفيهية أو غيرها، ولا ينبغي لنا أن نخشاه رغم الإقرار بوجود سلبيات مرتقبة أو محتملة، فهدفه في النهاية خدمتنا، بعبارة أخرى، لا يعمل الذكاء الاصطناعي الحقيقي ضد البشر، فهو يعمل معهم وبجانبهم ووجد لخدمتهم وتحت إشرافهم.

وقد أصبح العالم في دائرة واحدة وقاعدة معلوماتية واحدة وشبكة معلوماتية واحدة، وأصبح العالم مثل "القرية الصغيرة" في ظل هذه الثورة الرقمية.

وسلطنة عمان من ضمن هذه المنظومة الدولية ولا يمكن أن تعيش بدونها، فلا بد من مواكبة الركب وعدم التخلف والتباطؤ والإسراع قدر الإمكان للحاق بالدول التي سبقتها في هذا المضمار. فالسلطنة تعج بالمواهب الشابة والقيادات الحكيمة التي تجعلها في مقدمة الدول التي تواكب الثورة الرقمية  وبالجد والمثابرة والعمل المضني ستحقق بإذن الله تعالى تقدمها وستصبح من روَّادها .

نعم هناك بعض التحديات ستواججها السلطنة في تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم ومنها البنية التحتية التي يحتاجها العالم الرقمي، لكن بعزيمة وإرادة القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -حفظه الله- وأعزه ستتوفر كامل الإمكانيات والموارد المطلوبة للبنية التحتية لقاعدة الذكاء الاصطناعي في جميع المؤسسات التعليمية، وأيضا تهيئة مؤسسات المجتمع المدني من جميع متطلبات البنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي، وكلما توفرت شبكات الإنترنت، وتحسُّن سرعة الإنترنت وأدائها بالسلطنة كلما كان النتائج مبشرة وإيجابية لمستقبل جيل واعد متعلم ومثقف وواعٍ ومدرك لما يدور حوله من ثورة رقمية متطورة ونهضة متجددة.