د. سعيد بن سليمان العيسائي **
** كاتب وأكاديمي
كنت أرغب في مواصلة دراساتي العليا للماجستير والدكتوراه في اللغويات لولا أن الخطاب الذي كتبه الدكتور / سعيد الكيتاني من مكتب وزير التربية والتعليم لجامعة السلطان قابوس كتب فيه أنني أرغب في دراسة تخصص الأدب وعندما سألت الدكتور / سعيد الكيتاني عن سبب ذلك قال: أنت شاعر وأديب وكنت أظنك تفضل دراسة الأدب.
وسعينا أنا وزميلي د. راشد الحسيني الذي سبقني للدراسة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة بعام في إهداء الأساتذة مطبوعات وزارة التراث القومي والثقافة من دواوين شعر وكتب لغة ومعاجم.
كانت هذه المطبوعات تلقى إعجاب أساتذة القسم وإشادتهم بجهود السلطنة والوزارة في إحياء كتب التراث العربي والعماني.
وكان قسم اللغة العربية وآدابها ينظم محاضرات دورية (حلقات نقاش) يقدم بعض الأساتذة فيها أطروحاتهم وآخر أبحاثهم ودراساتهم. ومن ضمن الأساتذة الدكتور عبد الله الغذامي .
كما تعد الكلية محاضرات يشارك فيها بعض أساتذة الكلية، كل في اختصاصه.
أذكر أن نادي جدة الأدبي كان ينظم العديد من المحاضرات لكبار المفكرين والمثقفين من العالم العربي والسعودي، وكنت حريصا على حضور هذه المحاضرات وكان شاعر جدة والحجاز الكبير محمد حسن عواد أول رئيس لهذا النادي وكان رئيسه عبد الفتاح بو مدين عندما كنت طالبا، وكان بعض أستاذتنا أعضاء في مجلس إدارته كأستاذنا الدكتور/ عبد الهادي الفضيلي وأذكر أنَّ هذا النادي كان يوجه بطاقات دعوة لمعظم أساتذة قسم اللغة العربية وآدابها.
وكان معظم المدعوين من هؤلاء المفكرين يشاركون في إثنينية الأديب ورجل الأعمال السعودي عبد المقصود خوجه التي أسسها عام 1982م.
ومما يُشار إليه هنا في إطار الحديث عن الجانب الثقافي في جدة أن نادي جدة الرياضي كان ينظم بعض المحاضرات الثقافية في إطار أنشطته الثقافية الفرعية.
وأذكر أنَّ هذا النادي نظم محاضرات للأستاذ حسن ظاظا (1919-1999) الذي يعد من أشهر المختصين في اللغة العربية واللغات السامية، لاسيما العبرية.
قُدر لي في السنة الأولى الجامعية عام 1983 أن أسافر إلى مصر مع مجموعة من الزملاء العمانيين في الجامعة من كليات مختلفة لزيارة بعض زملائنا الذين كانوا معنا في معهد رأس الخيمة العلمي والتحقوا بالأزهر الشريف وبعضهم كانوا أقارب لهؤلاء الزملاء يدرسون في جامعات مختلفة بمصر.
وكانت هذه الرحلة هي الأولى لي لمصر لكنها كانت غنية من حيث عدد الزيارات والجولات السياحية للعديد من مدن مصر وأماكنها، ومن حيث الزيارة للمكتبات ودور النشر وخاصة مكتبات وسط البلد المشهورة التي تزودت منها بعدد لا بأس به من الكتب.
قُدر لي في السنة الأخيرة من الدراسة الجامعية أن أشارك في استقبال كبار وفود وزوار رابطة العالم الإسلامي أنا وزميلي الدكتور راشد الحسيني ممثلين لجوالة جامعة الملك عبد العزيز في هذه الفعالية في موسم الحج.
وكان معظم هؤلاء المدعوين هم من رؤساء الدول ورؤساء الوزراء والوزراء والبرلمانيين والعلماء الحاليين والسابقين من العالم الإسلامي.
وأذكر موقفين حصلا لي في هذه المشاركة أولها أنَّ رجل الأمن أراد تفتيش الشيخ صلاح أبو إسماعيل عضو مجلس الشعب المصري الأسبق والداعية المعروف، وكان برفقة ابنته والموقف الثاني هو أنني عثرت على حاج عُماني تائه فأوصلته إلى مخيم بعثة الحج العمانية بواسطة الخريطة الورقية التي كانت هي الوسيلة المتوفرة في ذلك الوقت لإرشاد الحجاج .
في إجازتي الصيفية كنت أتدرب على العمل الصحفي في مجلة العقيدة التي كان نائب مدير تحريرها صديقنا الأديب المرحوم مبارك العامري، وفي صحيفة عُمان بقسم التصحيح اللغوي مع المرحوم سيف الخروصي إضافة إلى إرسال بعض المقالات للقسم الثقافي الذي كان يرأسه الأستاذ المرحوم محمد الصليبي، وذلك لربط مادة مدخل إلى الصحافة التي درستها كمادة اختيارية في الكلية بالخبرة العملية .
ولذلك كلفني الأستاذ الراحل أحمد سليم مدير تحرير مجلة العقيدة، آنذاك وأحد رموز صحيفة الأخبار المصرية بإجراء لقاء صفحي مع سعادة الأستاذ الشاعر علي حسن أبو العلا وكيل إمارة منطقة مكة المساعد ورئيس الوفد السعودي الذي كان يزور السلطنة حول العلاقات العمانية السعودية وبعض القضايا التي تهم المسلمين، وذلك بمقر إقامته والوفد المرافق له بفندق قصر البستان، وقد أهداني سعادته مجموعة من دواوينه الشعرية ويعود الفضل في تخطيط جدة وتطويرها وتزيينها بمجموعة من المجسمات إلى المهندس محمد سعيد فارسي ( 1936- 2019) أول أمين لأمانة جدة من عام (1972-1986) الذي استعان بنحاتين من أوروبا لنحت بعض المجسمات في أشهر ميادين جدة وكنت أرى اسمه مكتوباً في أكثر من ميدان للدلالة على دوره البارز والملموس في تطوير وتجميل هذه المدينة .
يقولون إن الطعام أو معرفة أكلات الشعوب وأطباقها هو ثقافة، ولهذا السبب تعرفت على مطاعم وأكلات وأطباق الشعوب المختلفة كالمطاعم التركية، والإيطالية والشامية واليمنية والسورية، وكان بعض الضيوف المعتمرين الذين يبحثون عن مطاعم ذات مستوى جيد يلجأون إليَّ لاصطحابهم، وخصوصا أولئك الذي يأتون من طرف أحد الزملاء العمانيين في الجامعة.
ساعدني في ذلك السيارة الكرسيدا الجديدة التي أهداها لي المرحوم الوالد، التي سهلت عليّ مهمة زيارة الأماكن الثقافية والسياحية ومعالم جدة الأخرى والحرم المكي بشكل دائم ومتكرر وبخاصة في الإجازة الأسبوعية.
ومن الملاحظات النادرة التي قلَّ ما رأيتها خلال جولاتي في دول العالم ومدنه المختلفة أطباق الطعام المختلفة المعروضة في (فاترينات) أو في أطباق مغطاة بالزجاج ويأتي الزبون ليختار نوع الأكلات التي يريدها مسخنة على نار هادئة.
ومن المشهورين في هذا النوع من الأطعمة ( أبو الجدايل) الذي تعاقدت معه الجامعة لتقديم وجبات لطلبة الجامعة .
ومن الأطباق المشهور عندهم وجبة ( البروست) وهي إحدى الوجبات السريعة التي تطبخ قطع الدجاج فيها وتخلط بالطحينة، ومن أشهر محلاتها (بروست الكندرة)، ويوجد في وسط البلد وبعض الأماكن في جدة طبخ الأكل في بعض البيوت ويباع الرز باللحم أو الرز بالدجاج ساخنا في أكياس ويقف البائع على الباب وبقربه حلة "مرجل" الطبخ، على طريقة السفري أو "Take away".
ومن الملاحظات الطريفة التي صادفتها أثناء تنقلي في أماكن مختلفة من السكنات الطلابية وجولاتي في أماكن جدة ومعالمها أنني كنت في زيارة إلى وسط البلد حيث مبنى الاتصالات حيث لا توجد هواتف نقالة في تلك الأيام، فكنا إذا أردنا إجراء اتصال دولي بأهلنا وأقاربنا نذهب إلى هذا المبنى .