المرأة التي تدفع زوجها لطلاقها!

 

سالم بن نجيم البادي

جاءني ثائرًا غاضبًا فاقدًا السيطرة على أعصابه وقد عرفته هادئًا صبورًا خلوقًا طيبًا يتجنب المشاكل ويعتزل النَّاس ويلوذ بالصمت الجميل ويتصف بالحياء المحمود، طرق الباب والشرر يتطاير من عينيه قلت له اهدأ قليلاً وأخبرني ما بك..

قال: هذه حمَّالة الحطب زوجتي أو التي كانت زوجتي سوف أطلقها بعد أن أصفي حساباتي معها، قلت له: لا شك أنك غاضب الآن وإلا فإن الخلافات الزوجية لاتُحل بالطلاق وإنه آخر الحلول وهو أبغض الحلال عند الله، وأن الحياة الزوجية تتطلب الصبر والتغافل والتغاضي والتنازلات المتبادلة بين الزوجين وتقدير الظروف الشخصية والتريث، وفي فورة الغضب ينبغي الانصراف والصمت حتى تهدأ العاصفة، ثم البدء في حوار هادئ وصريح وعميق ومراعاة اختلاف الطبائع بين الزوجين ومحاولات الإصلاح.

وقلما يخلو بيت من النزاعات والصراعات العابرة بين الحين والآخر ويقال إنَّ هذه الخلافات هي ملح الحياة الزوجية. والطلاق أثره جسيم وخطير على الزوجة والزوج والأبناء، ولا يتم اللجوء إلى الطلاق إلا بعد استحالة الحياة الزوجية، وهذا يقرره الزوج والزوجة بالتراضي والهدوء والاحترام المتبادل.

كان شارد الذهن ولا يكاد يستمع إليّ؛ بل ويتمنى أن أنهي كلامي حتى يتحدث هو سكتُّ ولم أكمل محاضرتي الطويلة ونصائحي المملة والمعروفة سلفًا.

قال أنتم الكتاب تدافعون عن المرأة وتنسون الرجل وتحبون التزلف للنساء، "هلكتونا صدعتوا رؤوسنا بحقوق المرأة والدفاع عن المرأة ويوم المرأة وجمعيات المرأة، والجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة وتتكلمون عن اضطهاد المرأة والعنف ضد المرأة وتصفون المرأة بعبارات عذبة ورقيقة وهي رمز الجمال والحنان والعطف والعطاء والرقة والحب  والتضحية واللطف والصبر، ولا تتحدثون عن المرأة الضبعة المتوحشة مصدر العذاب للرجل مسعرة الحروب الباحثة دومًا عن المشاكل حمَّالة الحطب".

وتابع كلامه قائلاً: "منذ أن تزوجنا لم أشعر إطلاقا بالسعادة والهدوء والسكينة، لقد استحالت حياتي جحيمًا لا يُطاق؛ طلبات لا تنتهي، ولاشيء يعجبها، دائمة الشكوى والتبرم، سليطة اللسان، تتحدث معي بحدة وصوت مرتفع، وتنظر اليّ شذرًا، تنتقد كل شيء أقوم به حتى الأغراض التي أُحضرها للبيت لابُد أن تذمها، وتسخر من ذوقي في الاختيار، تشعرني بالدونية والضعف والهوان، وحتى الهدايا التي أُحضرها ترميها باحتقار واهمال، وقد لا تعود لها أبدًا وتتركها حتى تفسد، لا أستطيع مساعدتها في أعمال البيت، خوفًا من النقد والتوبيخ، ارتبك أمامها وتكثر أخطائي، وهي دائمة العبوس أمامي، وأمام أهلها وصديقاتها مبتسمة بشوشة مرحة، وإذا صنعت طعاماً لنا في البيت تتبعه بالمن والأذى والشكوى من التعب والإرهاق من عمل البيت الذي تقوم به وهي كارهة ومتبرمة، مع أن العاملة تساعدها في عمل البيت.إنها سريعة الانفعال، غاضبة على الدوام، تفسر كل كلمة بسوء نية، تغضب لأتفه الأسباب، وأنا أخشى غضبها، وكأنني أسير في حقل ألغام! لا تقدر ظروفي المالية، وإذا ذهبنا إلى السوق تحاول شراء ما يلزم وما لا يلزم، والضروري وغير الضروري، وإن رفضتُ فالويل لي، وأكثر ما يؤلمني كلامها الجارح وشكواها المُرّة الطويلة عند عودتي من عملي، وأنا مرهق وأريد أن أرتاح قليلاً من هموم ومتطلبات وظيفتي وتعاملي مع أجناس مختلفة من الناس".

ويواصل حديثه: "وقبل خروجي من البيت وعوضًا عن توديعي بكلمات لطيفة ومحفزة تودعني بمثل ما تستقبلني به وكنت أتمنى لو تركتني أذهب وأنا منشرح الصدر خاليا من الهموم حتى استطيع مواجهة يومي بثقة وأمل، سوف أطلقها"، قال كررها مرات كثيرة خلال حديثه، وقال إنَّ الرجل الذي أمضى وقتا وهو يبحث عن زوجة ومرحلة الخطبة ثم انتظار الموافقة وما يتبع ذلك من فرح ومشاعر وآمال عريضة ثم يدفع مالا كثيرا للمهر ولهدايا وحفلة عقد القران وحفل الزفاف وشراء سيارة،  وبناء بيت وربما تحمل من أجل كل ذلك الديون الضخمة والتي يستغرق سدادها سنوات طويلة وتورثه الذل في النهار والهم في الليل، ومع وجود الأولاد تزداد المشكلة اتساعًا وقد تصل إلى المحاكم من أجل الحضانة والنفقة.. فهل تعتقد بعد كل ذلك أن الرجل يطلّق زوجته هكذا دون أسباب، ودون أن تجبره على ذلك، ثم يبدأ رحلة البحث عن زوجة مرة أخرى.. وصمت.. ثم خرج وقبل أن يُغلق الباب أقسمَ أنه سوف يُطلقها!

وقال سائق الحافلة المسن الذي استمع صدفة إلى جانب من حديث الرجل الذي كان منفعلاً ويتكلم بصوت مرتفع: "أنا أعرف السبب يا ولدي في كثرة الطلاق في هذا الوقت، إنه غياب الدين وغياب القناعة، والمغالاة في المهور وتكاليف حفلات الأعراس والمباهاة والفقر والعوز عند بعض فئات المجتمع".

وضحي يسرد قصة هذا الرجل كما ذكرها دون تدخل، ويدرك أنه لا بُد من الاستماع إلى الطرف الآخر وهو هنا زوجة هذا الرجل، وإن كانت قصته قد لا تخلو من المبالغة، فهي فرصة سانحة للتذكير بمشكلة ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع وضرورة تضافر الجهود للبحث عن أسباب المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة ليس لحلها جذريًا، ولكن لمحاولة التخفيف من حدتها، وهنا يبرز دور المؤسسات الدينية.

يقال إنَّ خطاب المؤسسات الدينية صار تقليديًا ومعادًا ومكررًا ومُملًا وعقيمًا ولم يواكب تحديات العصر الحديث، وترك تربية الشباب لوسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات التربوية والتي لا أعلم إن كانت المناهج تولي الاهتمام الكافي بتهيئة الأولاد والفتيات لتحمل أعباء وتبعات تكوين الأسرة والمحافظة على ترابط وتماسك وقوة الأسرة، وكذلك دور مؤسسات المجتمع وجمعيات المرأة التي تركزعلى دورات الخياطة والحاسوب واللغة الإنجليزية وأشياء أخرى، والأسرة لها الدور الأكبر وكذلك وسائل الإعلام.

ولعل المقال القادم يكون عن الرجل الذي يدفع زوجته لطلب الطلاق!