سيَّان الضِّرِيْبة والضَّريِبة!

 

حمد بن سالم العلوي

 

دأب العُمانيون في الماضي على تسمية هدف الرماية بالضِّرِيْبة، وذلك بتشديد الضاد وكسرها وتسكين الياء، وآخرون يسمون هذه الضِّرِيْبة بالشبح، أما الضَّريِبة بتشديد الضاد وفتحها وكسر الياء، فتسمى "عشور" والقائم عليها يسمى "المْعُوشري" وعندما نقول لا فرق بين الضريبة بالكسر والتسكين، والضريبة بالفتح والجر، فالكل بين مضروب وضارب، ففي الأولى تُضرب بالرصاص خاصة لمن يُجيد الرماية، وإلاّ ستذهب الرصاصة إلى مكان آخر، وهو ضربٌ في حصاة بيضاء، فإذا تكسرت تستبدل بحصاة أخرى، أما في الثانية وهي بالنصب والجر، فيكون المرء مضروباً فيها بما في جيبه، وذلك بسحب ماله من النقود، وهو هدف لمن بيده سلطة، أما المضروب فهو على عكس الأول، فليس له سلطة إلا على جيبه، وهو المستهدف بالسلب الضريبي.

إذن؛ سوف نظل في حيْص بيْص بين الضريبة بالجر مع تسكين الياء، والضريبة بالنصب وجر الياء، وطبعاً أخطرها ما كان بنصب الضاد، أما ما كان بجره، فهو ضرب في حصاة وهذا لا يهم طالما استبدالها سهل، ففي الضريبة الأخيرة اختلطت علينا الأمور، فما عُدنا نعرفُ رأسنا من أقدامنا، فقد أُطلق العنان للتجّار حتى يلعبوا بنا "لعبة التيلة" مع العذر من الشاعر/ كميدش بن نعمان صاحب كلمات هذه الأغنية، وهو من سكان ولاية البريمي، فقد صرنا في هرج ومرج بين التاجر الذي احتسب الضريبة مع السعر الأصلي، والآخر الذي أضافها على الحساب عند منفذ الدفع النهائي، وربما هناك من احتسب الموضوع في الحالتين، ولكن الذي صار معلوماً لدينا جيداً، هو هذا الذي وقع عليه دفع المبلغ في نهاية الأمر أي الضحية.

إنّ الذي يُخرجنا من هذه الضبابية، أو فوضى السَّلب بالرضا وكان الأصل هو الإكراه في السلب، أن تُحدد الحكومة طريقة واحدة للدفع، ألا وهي؛ احتساب الضريبة بالفتح والجر طبعاً مع السعر الأصلي، وهنا لن تحدث مُفاجآت لم تكن في الحسبان، فالمرء سيتعرف على السعر، وهو مدمج فيه الضريبة، أثناء استعراضه للمواد المباعة، أو بالسؤال عنها، فإن راق له السعر ورغب في الشراء، سيكون قد عرف السعر سلفاً، ولن يكون أمراً محرجاً له عند الدفع، فبعضهم يدفع على مضضٍ برغم المُفاجأة، وقلة من الناس يتراجع عن الشراء والدفع، وذلك عندما تكشر له الضريبة عن أنيابها، فيرجع إلى منزله مهزوماً مخذولاً وخالي الوفاض.

إنَّ مسألة التجريب مسألة قد اعتدنا عليها مع القرارات الجديدة للحكومة، وأصبحنا نتقبلها رغم عدم الرضا بها، ولكن ينبغي على الحكومة ألا تبتعد كثيراً عن قواعد التجريب، فالتجريب يجب أن ترافقه مراقبة وتقييم، ومن ثم إقرار أو تراجع أو تغيير في المنهج التجريبي، أما أن نظل في حالة نتيهُ معها في اللامتناهية من الغموض في المعلومات، فهنا تقع الصعوبة، بل هو مكمن الخطر.

لذلك؛ نرجو من الجهات المعنية أن توقف فوضى احتساب الضريبة، والعمل على تنظيمها وتوضيحها للتاجر قبل المستهلك، ولا بأس أن يعرف المجتمع ما هي الضرورة لهذه الضريبة المسماة بـ"المضافة" وقد عرفنا أنها مضافة على المجتمع، ولكن مضافة لمصلحة الحكومة أم التاجر منفرد بها وحده؟! فهذا الأمر يشوبه الكثير من الضبابية وعدم الوضوح، فالنَّاس ما كانوا مُهتمين بما يُقدّم عنها من شرح قبيل إقرارها بفترة من الزمن، لأنهم بصريح العبارة غير متعودين على شيء مثل هذا، إلا مع من سبق النهضة الحديثة بالعمر، فقد كان يدفع "عشوراً" على غرشة السَّمن عند جُمرك وادي عدي، وكذلك أمثاله من الجمارك في نقاط أخرى، لذلك صعب الأمر على الجيل الجديد فهم الضريبة المضافة دون تقليد مسبق.

إنِّه من المعتاد لنا أن يأتي رفع الأسعار نتيجة لزيادة في الرواتب، ولكن هنا لا زيادة في الرواتب ولا ترقيات، ولا حتى علاوات دورية كما جرت العادة، وإنما أتت الضريبة المُضافة للأخذ من التجار لدعم خزانة الدولة، وما كان ينبغي أن يُعطى هذا السبب للتجار حتى يرفعوا الأسعار مع انعدام كل الذرائع، فأخذوا نصيبهم وافراً وأعطوا منه "تسكيتة" للحكومة من بعض الفتات، والمسمى بالضريبة المضافة، وهي 5% من ماذا.. وعلى ماذا؟! فلا أحد يعرف كيف صار الأمر هكذا، ولكن الثابت والواضح أن الفرد والمجتمع هم من تضرروا أولاً وأخيراً.

تُرى؛ هل ستظل هذه الضريبة المضافة، مضافة على الدوام، أم مع تغير الأحوال الاقتصادية سترفع الضريبة عن النَّاس، ولكن من سيقنع التجار بالعودة إلى ما كان عليه الحال سابقاً، لقد تعوَّدنا على أنَّ عجلة التخفيض لا تدور إلى الوراء في عرف التجارة، وأنّ مسنناتهم مفصلة للدوران إلى الأمام فقط، وحتى إذا اتخذت الحكومة خطوات لتعويض الناس عن هذا الفاقد، أو قررت ترقية بعض موظفي الحكومة، فإن تربص التجار سيظل قائماً، والحيل جاهزة، ونقمة التجارة الحرة، ستظل شاهرة سيفها على رقاب الجميع، وليس فقط المترقِّين بعد طول انتظار.

إذن؛ ليس من حل لهذه المشاكل التي تزيد من نَغَص المعيشة على حياة الناس البسطاء، إلا تقوية ودعم دور هيئة حماية المستهلك، وذلك لتفعيل أنظمة الحماية من جشع التجار، وألاعيب التجارة الحرة، وأحسنُ متصدٍ لهذا التسلط والجشع القاسي، استحداث الجمعيات التجارية الأهلية، وبذلك تصيبون عشرة أهداف بحصاة واحدة، وهي القادرة على تغطية أي نقص في السوق من البضائع، وخاصة المواد الأساسية، وتشغيل عدد كبير من أبناء الوطن، طبعاً ليس في التحميل والتنزيل، وأنما هناك وظائف كثيرة ستنشأ مرافقة لنشوء الجمعيات، فأفعلوها- يرحمكم الله- وأُنشئوا الجمعيات الأهلية حالاً ودون إبطاء، وسوف تتولها الصناديق التقاعدية بالتعاون مع بعض الشركات الوطنية التمويل والإدارة المؤقتة، وأعلموا أنَّ استقرار المجتمعات بتوفير قوت يومها، وهذا أمر سيكون له مردود حسنٌ على الأمن القومي للبلاد.