فلسفة القطاع الخاص بسلطنتنا الحبيبة

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

 

لكل شيء في هذه الحياة فلسفة وجود والفلسفة هنا تعني الحكمة من وجود الشيء وبلا فلسفة ولا حكمة فوجود الشيء كعدمه تمامًا.

القطاع الخاص في سلطنتنا الحبيبة وُجد بلا حكمة ولا فلسفة واضحة سوى ما يشبه تبرئة الذمة، لهذا نجده اليوم وفي كل مرة نحاول استنهاضه أقرب إلى "الميت سريريًا"؛ لأنه وبكل وضوح نشأ وأُنشئ وأُريد له لاحقًا أن يكون امتدادًا وظلا للقطاع العام؛ لا هوية ولا استقلالية تذكر له. واليوم ونحن نُعيد النظر والتقييم والتقويم لكل جنبات ومناحي التنمية بسلطنتنا الحبيبة في عهدها الثاني الجديد وفي إطار رؤيتها "عمان 2040"، علينا أولًا وقبل كل شيء تعزيز هوية هذا القطاع المهم والفاعل بهوية لازبة وضرورية تجعل منه شخصية اعتبارية مستقلة ورافدًا حقيقيًا للتنمية والاقتصاد والمجتمع معًا.

القطاع الخاص في سلطنتنا الحبيبة اليوم مجرد صدى للقطاع العام وترس في عجلة الحكومة؛ بل وأصبح في دائرة ما يُسمى بالاقتصاد الدائري، وهذا الاقتصاد الذي في الغالب يؤدي دورًا نفعيًا بتعاظم نفعه وقيمته المضافة، إلا أن قطاعنا الخاص ورث من هذه الدائرة الوهن والتشظي وعدم الاستقرار نتيجة ارتباطه بالاقتصاد الريعي ذي المصدر الوحيد والذي تنتهجه الحكومة منذ فجر النهضة المباركة، فإذا عطست الحكومة أصيب القطاع الخاص بالرشح الكامل.

واليوم يجب علينا وبما يقتضيه صوت العقل والمنطق أن نعي أن القطاع الخاص بسلطنتنا الحبيبة لن ينمو ولن يصبح قطاعًا خاصًا بهوية مُستقلة ورافدًا مهمًا وفاعلًا من روافد الاقتصاد الوطني ما لم تتوافر له جملة من الضمانات والدعوم الكفيلة باستقلاليته ونهوضه ومن جملتها الضرورات التالية:

* ضرورة الإنصات إليه والأخذ بمقترحاته وتوصياته من قبل الحكومة أولًا بأول.

* ضرورة فتح باب التسهيلات المالية والتشريعية له والأخذ برؤاه فيما يتعلق بتلك التسهيلات وبما يتناسب مع طموح نموه وتطوره واستقلاليته ومهامه المرجوة منه.

* ضرورة حمايته من التنافسية الخارجية ووضع آليات واضحة لتلك الحماية.

* ضرورة منحه الثقة المطلقة في رسم سياسات الاستثمار وسوق العمل والتأشيرات والإقامة.

* ضرورة تقديم مصلحة الاقتصاد على النظرة الأمنية السائدة اليوم في سوق العمل.

* ضرورة وفاء الحكومة بالتزاماتها المالية تجاه هذا القطاع أولًا بأول دون تردد أو تأخير.

* ضرورة منح الثقة من قبل الحكومة لهذا القطاع وتقديم مصلحته وحمايته بجميع مفرداته الكبرى والمتوسطة والصغيرة.

فالقطاع الخاص بسلطنتنا الحبيبة يعاني الأمرين من القرارات المكتبية التي تصدرها الحكومة بين حين وآخر، دون استشارته أو الرجوع إليه وتحت مبرر التنظيم والارتقاء به، من شروط تعمين إلى رسوم إلى قوانين استثمار إلى غياب أي حماية للمنتج الوطني، وهذا المناخ السائد اليوم جعل من القطاع الخاص قطاعًا طاردًا ومتعثرًا ومرتبكًا، وفي الأزمة المركبة التي عاشتها سلطنتنا الحبيبة من تدني أسعار النفط وجائحة كورونا تجلت معضلة هذا القطاع وهشاشة بنيته؛ حيث لم تتمكن أقوى مؤسساته من الصمود لأكثر من بضعة شهور، ثم سرعان ما انهارت وبدأت في اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية القهرية القاسية لحماية ما تبقى منها؛ كتسريح الموظفين أو منحهم إجازات مفتوحة أو تقليص أنشطتها إلى الحد الأدنى؛ نظرًا لعدم وجود حزم تحفيز من قبل الحكومة لمواجهة الأزمة المزدوجة؛ بل ولعدم حصول بعض مؤسسات القطاع الخاص على أموالها المستحقة على الحكومة والتي بقيت رهينة المطالبات والتفاوض لسنوات رغم التزام هذه المؤسسات وتنفيذها المطلوب منها على أكمل وجه.

واليوم يتفاجأ هذا القطاع برفع فلكي لأسعار الخدمات بأنواعها من كهرباء وماء ومحروقات ورسوم ومأذونيات دون مراعاة الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد والاقتصاد الوطني بكليته وشقيه العام والخاص، وهذه القرارات الارتجالية المشحونة بالعاطفة ونفس الجباية المالية، ستشكل ضربة أخرى قوية للقطاع الخاص، وستكون سببًا لانهيار ما بقي منه متماسكًا، فهذا القطاع اليوم بحاجة ماسة إلى تحصيل دينه على الحكومة أولًا، وبحاجة ماسة إلى جملة من الضرورات السريعة لمعالجة عثراته وتجاوز هشاشته ومنها ما ذُكر آنفًا، ومنها ضرورة الشروع في جملة من الدعم المعنوي والإجرائي، والمتمثل في تأجيل رفع الرسوم بمجملها والرهان على توسعة الوعاء الضريبي، لا رفعه؛ لتحقيق عدد من القيم المضافة والتي سنجنيها حتمًا بمجرد نهوض هذا القطاع وتعافيه من الأزمة؛ حيث سيُسهم هذا القطاع تلقائيًا في التعمين العقلاني وعلى قاعدة الطرد والجذب، والمسؤولية الاجتماعية نتيجة التعافي وتوفر الوفورات المالية، كما ستقل مطالبات هذا القطاع لصغار المؤسسات ومقاضاتهم نتيجة تعافي ملاءتها المالية، وسيتمكن هذا القطاع من التنافس والندية مع نظرائه في المنطقة وسيصبح اليد العُليا بدلًا من اليد السفلى.

وفي الختام.. أتصور أنَّ لدى القطاع الخاص الكثير مما يمكنه قوله وطرحه ومن واقع ميداني وتجربة معيشة لتحسين ظروفه ومناخ عمله ومن خلاله الاقتصاد الوطني ومفردات التنمية، لكنه اليوم يتلقى الأوامر من الحكومة على شكل ومسمى قوانين وقرارات، وهي في الغالب الأعم بعيدة كل البعد عن النهوض والإصلاح لهذا القطاع الحيوي المهم.

قبل اللقاء.. فلسفة القانون هي تحفيز المجتمعات وتحريضها على التفكير والعمل الإيجابي وليس العقاب.

وبالشكر تدوم النعم..