الخطط التنفيذية للتوجيهات السامية

 

خلفان الطوقي

الحديث المباشر والعملي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- لأصحاب السعادة محافظي وولاة الداخلية والوسطى وإلى الشيوخ في هاتين المُحافظتين، كان خطوة أولى لخطوات لاحقة منوطة لجهات تنفيذية عديدة خاصة فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي وتحديدا النقاط المهمة التالية؛ وهي: اللامركزية، وتطوير المحافظات، والمشاركة المجتمعية.

ولا شك أن مضاعفة سلطان البلاد المفدى للمبالغ المالية المخصصة لتنمية المحافظات من 10 ملايين ريال إلى 20 مليون ريال عماني لكل محافظة خلال الخطة الخمسية العاشرة، إضافة إلى ما هو مرصود للمشاريع الوطنية المعتمدة سلفًا، يمثل إشارةً واضحة من لدن جلالته إلى ضرورة تمكين المحافظات ماليًا وإداريًا واستقلاليتها تدريجيًا في بعض قراراتها، خاصة المتعلق بالجوانب الخدمية والتنموية. وإن كان جلالته- أبقاه الله- أسدى توجيهاته السامية بضرورة تنمية المحافظات- حيث أكد جلالته أن ذلك يُعد توجهًا جديدًا للحكومة، ولأن التجربة جديدة على السلطنة ككل- فلا بُد أن يُترجم النطق السامي إلى خُطط تنفيذية؛ لضمان نجاح التجربة وتحويلها إلى واقع ملموس من المُواطنين.

إن الانتقال إلى اللامركزية- وإن كان تدريجيًا- لن يكون سهلًا، وعليه لا بُد من توفير عوامل نجاح متعددة؛ فالموضوع ليس تمكينًا ماليًا وحسب، لكنه أكبر من ذلك بكثير؛ حيث إنه بَعدَ التمكين المالي، تبقي هناك أدوار من عدة جهات تنفيذية، وأهمها:

وزارة الداخلية: من خلال تقديم دليل استرشادي يساعد جميع المحافظين والولاة، ويضم ما هو المتوقع منهم، ويجيب على كل استفساراتهم، كما ينظم العلاقة وطرق التواصل فيما بينهم وبين الجهات الحكومية التنفيذية وخاصة الخدمية منها، وإلا سوف يكون ضياعًا لكثير من الوقت، خاصة أن توجيهات السلطان المفدى في هذا المحور الاستراتيجي ذُكرت في خطابٍ له في نوفمبر عام 2020.

المحافظون والولاة: يتعين عليهم تقديم خططهم التنفيذية بشكل تفصيلي، محددة نوعية المشاريع المستهدفة، وطريقة تنفيذها، وفرق العمل، وعلاقتها بالمجالس البلدية وباللجان الاجتماعية المحلية، وكيفية تفاعلها مع المشاريع المقترحة من أفراد المجتمع، وكيفية إشراكها لهم واحتوائهم، بعيدا عن الحساسيات المجتمعية.

وزارة المالية: تقوم بإعطاء المحافظات مساحة للصرف المالي دون قيود، وفتح حسابات بنكية مستقلة، مع دعمهم بخبرات بشرية وتقنية؛ لكي يتمكنوا من القيام بما يجب القيام به في وقت قياسي، بدلًا من هدر وقتهم في الترتيب الداخلي المطول الذي قد يمتد لسنوات دون إنجاز مشاريع تنموية مجدية، والتسبب في إخفاق التجربة.

وزارة الاقتصاد: من منطلق أن الدعم لا بُد أن يكون شاملًا؛ لذلك يُمكن لوزارة الاقتصاد أن تنقل للمحافظات أفضل الممارسات العالمية المتبعة في تنمية المحافظات، والاتفاق على النموذج الذي يتناسب مع ظروف السلطنة، خاصة أن دولا كثيرة لديها تجارب ناجحة، وعلينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، كما يمكن للوزارة أن تبدي رأيها في أولوية المشاريع الخدمية الإنتاجية وما يتوافق مع أهداف السلطنة ورؤيتها المستقبلية "عمان 2040".

جهاز الرقابة المالية والإدارية: يراد لموضوع اللامركزية النجاح من أول تجربة له، وعليه لا بُد من منح هذا الموضوع الاهتمام والجدية اللازمة وكافة عوامل النجاح، ومنها الرقابة على المال العام وضوابط صرفه دون هدر، والتأكد من صحة القرارات المالية والإدارية الضامنة لتنفيذ المشروع في الوقت المحدد، ومتفادية للأوامر التغيرية المتكررة والمكلفة.

الجهات الحكومية الخدمية: لابُد من إعطاء مشاريع المحافظات أولوية قصوى، وتذليل كافة المصاعب التي قد تعتري طريقهم قبل وأثناء تنفيذهم لمشاريعهم الخدمية، وإعطاء المحافظين مرونة التواصل المباشر معهم بعيداً عن البيروقرطية المملة.

المشاركة المجتمعية: يجب أن تكون حاضرة لكل من يرى في نفسه المقدرة على العطاء وخدمة المجتمع بخبراته وأفكاره من خلال اللجان المحلية ومجالس البلدية، فهذا من صميم مسؤوليات الفرد الوطنية والمجتمعية، ولا عذر لأحد عن خدمة مجتمعه كلا حسب قدرته. ولو بالكلمة الطيبة المحفزة.

إن إشارة البدء في تطبيق اللامركزية في المحافظة قد أطلقها السلطان المفدى- نصره الله- ولكن باقي الخطوات تكمن في كيفية تحويل التوجيهات السامية الكريمة إلى خطط عملية تنفيذية، وتحويل التحديات المتوقعة لعملية التغيير إلى مُمكنات مالية وبشرية وتشريعية ورقابية تشارك فيها المؤسسات والمجتمع المدني والأفراد.