سالم بن نجيم البادي
مسلسل التسريح ما زال مستمرًا، والمآسي المترتبة عليه كثيرة، وحلقاته متتابعة، وهي دراماتيكية، وقد ظهر ذلك الرجل المسرح في وسائل التواصل الاجتماعي والذي بدا أنه صادق وقد أجهش بالبكاء أمام الناس، ودموع الرجال عزيزة وليس كل من سُرِّح من عمله يستطيع فعل ما فعل ذلك الرجل.
إنَّ هؤلاء يتألمون في صمت ولا تُتاح لهم فرص الخروج على الملأ للحديث عن معاناتهم وربما يخجلون وربما لديهم عزة نفس وكبرياء. ومصيبة المُسرَّح أعظم من مصيبة الباحث عن عمل؛ لأنَّ المُسرّح في الغالب لديه أسرة وأبناء ولعله قام ببناء بيت وترتبت عليه التزامات مالية وديون لأسباب مختلفة، وعند التسريح من العمل يعجز عن سداد أقساط الدين، وهذا قد يقوده إلى المحكمة ثم إلى السجن، والسجن قد يؤدي إلى مشاكل لاتعد ولا تحصى للسجين وأسرته.
وكلمة مُسرَّح دخيلة على المجتمع، وقد صارت تتردد كثيرًا حين الحديث عن أولئك الذين يستحقون الزكاة أو تقديم مساعدات من الجمعيات الخيرية، وأصبحت أسر المسرحين مثل أسر الضمان الاجتماعي وأصحاب الدخل المحدود والأسر المعسرة، في حاجة إلى العون، ويُخشى أن يساهم التسريح في زيادة أعداد الفقراء في المجتمع إن تم تجاهل هذه المشكلة.
الفقر يولِّد مصائب كثيرة، ويخل بأمن وسلام المجتمع، وليس المقصود هنا التهويل من حجم مشكلة المسرحين من العمل، لكنها دعوة إلى الاهتمام بهذه القضية التي باتت تؤرق فئة من الناس في المجتمع وإيجاد الحلول المناسبة لها حتى لا تتفاقم. الغريب أن نجد من يقلل من خطورة مشكلة التسريح، ويبرر التسريح ويعده أمرًا عاديًا ومتوقعًا من قبل المُسرّح، وقد يلقي باللوم على المسرحين أنفسهم، بزعم أن العمل متاح وما على المُسرَّح إلا أن ينبذ الكسل ويسعى للبحث عن عمل بديل، ولا أعلم هل يمكن الحصول على عمل بهذه السهولة؟!
يقال إن التسريح موجود في بلدان كثيرة والذين يفقدون وظائفهم كثر، لكن هل تجوز المقارنة بين دولة لا يتجاوز عدد سكانها 3 ملايين نسمة ودول أخرى عدد سكانها مئات أو عشرات الملايين؟ كما إن بعض الدول تقدم معونات للذين يفقدون أعمالهم، وقد وقفتُ على حكايات كثيرة لأشخاص تم تسريحهم ولا يتسع المجال لذكرها كلها، وهي تدور حول العوز والحاجة وتغيُّر الأحوال والعجز عن الإنفاق على الأسرة وسداد الديون. ومحاولة البحث عن عمل جديد والعمل بالأجر اليومي أو محاولة فتح مشاريع تجارية صغيرة تصطدم بالروتين البغيض والرسوم الباهظة، وأحسن المُسرّحين حالًا أولئك الذين تم منحهم جزءًا يسيرًا من الراتب مقابل أن يصمتوا، وهذه قصة الشاب المُسرّح الذي حكى لي أنه تم تسريحه مع 25 من زملائه المواطنين، بينما لم يتم تسريح الوافدين، وأكد ذلك أكثر من مرة، وقال إن الوافدين لم يُسرَّحوا وقد ذكر جنسياتهم!!
وبعد مُراجعات لجهات كثيرة وشخصيات نافذة وافقت الشركة على منحهم راتبًا زهيدًا لا يكفي متطلبات الحياة؛ لذلك قرر هذا الشاب كما أخبرني الذهاب إلى خارج الوطن للبحث عن عمل، وهذه خاتمة مُسلسل التسريح المأساوية والحزينة؛ فالغربة قاسية ومُؤلمة، ومفارقة الأهل صعبة، والشعور بأنَّ الوطن غير قادر على احتواء المرء أشد قسوة وإيلامًا.