رفقًا بها

عمرو العولقي

أورقت الأشجار في فناء بيتها الريفي وأعلن الخريف رحيله مسرعا وامتدت يداها إلى ذلك الغطاء البلاستيكي لإزاحته بعيدا عن مدخل البيت معلنة نهاية موسم المطر وميلاد الربيع الذي طالما انتظرته.

أشاحت بنظرها إلى الأفق مودعة كتل السحب المتفرقة التي غطت السماء لثلاثة أشهر متواصلة. رأت شعاع الشمس ينبثق من بين تلك السحب ويرسم بقعا ساطعة على البساط الأخضر العشبي.

تأملت ذلك الجمال الذي أسر قلبها وهي تطوي ذلك الغطاء محدثة نفسها: "متى سيأتي؟"

قاطعها نداء أمها قائلة : " لم لم تلبسي ثيابك إلى الآن؟"

اكفهر وجه سلمى ذات العشرين عامًا فهي تعلم أن القادمين هم وجهاء من قبيلة مجاورة لدفع مهرها اليوم.

لم تكن ترغب بالزواج ومفارقة أهلها وكانت تعلم أن رأيها لن يغير شيئا فالزواج سيتم لا محالة.

مشت بخطى متثاقلة وأغلقت غرفتها، الدموع تنهمر على وجنتيها وقلبها يعتصر ألمًا وتشتت الأفكار بعقلها باحثة عن مخرج ولكن هيهات هي تعلم أن الأب هو صاحب القرار الأخير.

أخذت نفسا عميقا وقامت بلبس أفضل ثيابها وسرحت شعرها ونظرت لوجهها في المرآة وأغمضت تلكم العينين.

تمنت لو أنها لم تولد، لو أن الأرض انشقت لتبتلعها، لو استطاعت الهرب بعيدا لمكان تتخذ فيه قراراتها دون تدخل أحد.

"هل انتهيت عزيزتي"

"حسنا أمي أنا قادمة "

"استعجلي فأم العريس منتظرة في الصالة "

تدخل سلمى وعلامات الحزن والخجل على وجهها مطأطأة رأسها، تبدأ أم العريس المرتقب بالثناء عليها والمدح وتطلب منها أن تجلس إلى جوارها، عيون كثيرة ترقبها من كل زاوية أخوات العريس وجمع من النساء أتين لرؤية العروس المستقبلية لسالم.

ازداد توتر سلمى وبدأت تتصاعد أنفاسها عندها.خطوة أخرى وسيغمى عليها.

جدار فاصل بين الصالة ومجلس الرجال حيث يتواجد سالم وأبوها وجمع من وجهاء القبيلة تتعالى ضحكاتهم ويتبادلون الأحاديث ويتفقون على موعد الزفاف استلم والد سلمى 20 ألف ريال مهرًا لسلمى فاتنة الجمال.

في الصالة أم العريس تمسك بيد سلمى وتخبرها كم هي محظوظة بسالم وكم هو طيب ومحبوب.

"سنأخذك اليوم معنا إلى البيت لن نستطيع الانتظار طويلا"أم العريس ممازحة سلمى.

ابتسمت سلمى ابتسامة صفراء "خالتي أنا لا أريد سالم".

توقفت الضحكات حولها وذهل الحضور من رد سلمى

تبدل الوضع في غمضة عين.

ابعدت أم العريس يدها " لم يا بنتي"

سلمى " لأني لست سلعة لتشتروها لابنكم الذي يُعاني مشاكل نفسية تحت مُسمى القرابة والدم مهما كان الذي ستدفعونه لأبي"

أم سلمى تنتفض وتنهر سلمى "ادخلي الآن فورا"

تقوم سلمى وقبل خروجها تقول "لن أتزوج سالم إلا على جثتي"

ألغي العرس وتفرق الجمع حاملين الكثير من الغضب والحقد والكراهية، أحست سلمى بالنصر أخيرًا لأنها استطاعت أن تُغير مسار حياتها.

كم امرأة دفعت حياتها ثمناً للعادات والتقاليد

كم امرأة دفنت باسم ليس لك حق الاختيار

فكم سلمى سنرى مُقابل المال والتقاليد المقيتة.

تعليق عبر الفيس بوك