حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تُؤدي مُؤسسات المجتمع المدني في العالم دورًا كبيرًا في تخفيف الأعباء عن المواطنين من خلال الخدمات التي تقدمها؛ سواء لأعضائها أو لسائر المحتاجين الآخرين. وهذا ما نلمسه في البلاد في أوقات الطوارئ والكوارث والابتلاءات؛ حيث تقوم مؤسسات المجتمع بالمساهمة في تخفيف تلك الأعباء. وقد تنوعت هذه المؤسسات في العالم وتخصصت في تقديم خدمات اقتصادية واجتماعية وإعلامية وصحفية وفنية وتمويلية وغيرها، بجانب الدفاع عن أعضائها وقت حدوث الأزمات.
ومن المؤسسات التي تحاول مساعدة الجماهير التي تتعرض إلى الديون والتعثر المالي في أعمالها اليومية مؤسسات الغارمين التي تنوعت في العالم العربي تحت عدة مسميات. ففي مصر على سبيل المثال أنشئت مؤسسة "مصر الخير"، وفي البحرين هناك مؤسسة "بنك الأسرة"، بينما في دولة قطر هناك مؤسسة "الأقربون". ومثل هذه المؤسسات متواجدة في عدد من الدول الإسلامية أيضًا هدفها مساعدة المتعثرين ماليًا بسبب الديون التي تراكمت عليهم؛ سواء بطريق القروض الشخصية أو التعثر في أعمالهم التجارية ومؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة لظروف مختلفة.
ونتناول هنا باختصار بعض الأعمال التي تقوم بها تلك المؤسسات، فعلى سبيل المثال فإن مؤسسة "مصر الخير" التي تم إنشاؤها في عام 2007 تعد إحدى مؤسسات المجتمع المدني وتقوم بتقديم خدمات في عدة مجالات، وهدفها تنمية الإنسان وذلك من خلال تقويم ومتابعة عدة قضايا للقضاء على البطالة، والأمية، والفقر بجانب دعم برامج الصحة، والتعليم، والبحث العلمي، والتكافل الاجتماعي. وجميع هذه القضايا تهم مناحي الحياة والتنمية المستدامة للناس والبلد، أي أن هدفها تقديم خدمة تطوير وتمكين المجتمع المصري من أجل العودة للحياة الكريمة. وتتابع المؤسسة أعمالها من خلال حصولها على أموال الزكاة والصدقات والتبرعات المادية والعينية وصرفها لاحقاً على مستحقيها، وذلك من خلال إدارة محفظة الاستثمار بحرفية ومهنية.
وفي مملكة البحرين جاء تأسيس "بنك الأسرة" كأول مصرف إسلامي للتمويل متناهي الصغر متوافقاً مع مبادئ الشريعة الإسلامية. وفكرتها قريبة كمؤسسة لدعم الغارمين التي قام بها البروفيسور محمد يونس بإطلاق مشروع لدراسة إمكانية تصميم نظام تمويلي يهدف لتوفير الخدمات المصرفية لفقراء الريف ببنغلاديش عام 1976. وتعمل هذه المؤسسات على تمكين الأفراد وإطلاق قدراتهم وتحسين مستوياتهم المعيشية من خلال توفير التمويل لهم ولأصحاب الدخل المحدود.
وبنك الأسرة يُساهم في تحسين الظروف المعيشية للأسر المحتاجة من خلال توفير قنوات مالية بجانب تمويل أفكارهم ومشاريعهم وتطوير ظروفهم الحياتية. واليوم نرى هناك عدة دول لديها من مؤسسات المجتمع المدني لتطبيق برامج لمساعدة الغارمين من خلال برامج مختلفة، وإبعادهم عن الديون وفوائدها السنوية التي تقصم ظهورهم. كما تعمل مثل هذه المؤسسات على تمويل الأفراد في إدارة مشاريعهم الخاصة، والسماح لهم بسداد ديونهم في ظرف سنتين وتقديم تمويل آخر لهم لاحقا بعد الدفع، بجانب تشجيعهم على الادخار، وتعزيز مستوى الوعي لديهم لإدارة مشاريعهم قبل عملية التمويل. وبنك الأسرة أصبح اليوم موجودا في عدد من الدول العربية والإسلامية بسبب احتياج الناس لحل مشاكلهم المالية والمتعثرة.
وفي دولة قطر هناك مؤسسة "الأقربون" مدعومة من قبل مؤسسة "قطر الخيرية"، وتعمل منذ عدة سنوات على تفريج كرب الغارمين وتسوية الديون المترتبة عليهم بهدف المساهمة في توفير الاستقرار الأسري لأفراد عائلاتهم ولهم، فهو نوع من التكافل المجتمعي بين أفراد المجتمع. وهدف مؤسسة "الأقربون" يكمن في مساعدة الغارمين والحالات الإنسانية وتقديم العون لكل متعثر في قضايا الدفوعات البنكية في إطار ما يحث الدين الإسلامي الحنيف عليه في تفريج هم المهمومين وقضاء الدين عن المديونين. وقد تمكنت هذه المؤسسة من خلال برامجها في العلاقات العامة من الحصول على تبرعات مختلفة لحل قضايا الغارمين والحالات الإنسانية الأخرى. وقطر الخيرية تعد واحدة من أكبر الهيئات الخيرية غير الحكومية الرائدة في الوطن العربي والعالم والتي تأسست عام 1992 لمساعدة القطريين وغيرهم ممن تعثروا في أعمالهم.
وأخيرًا.. إن مجتمعنا العماني بحاجة إلى وجود مثل هذه المؤسسات لتخفيف الأعباء عن الغارمين وحل مشاكلهم المالية المتعثرة، خاصة وأن هناك مجموعة كبيرة من المواطنين عليهم ديون للمصارف منذ عدة سنوات، في الوقت الذي تزيد فيه الأعباء المالية عليهم في حالة عدم تمكنهم من سدادها في الوقت المناسب. واليوم نقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي عن حاجة الأفراد لإنشاء مؤسسة تمويلية لمساعدة الغارمين والمتعثرين. وهذا ما نأمل تحقيقه لتضاف هذه المؤسسة إلى مؤسسات المجتمع المدني في تقديم خدمة التمويل السهل للغارمين لكي يتمكنوا من العيش في هدوء وراحة ورفاهية بدلاً من الضنك والمشاكل الاجتماعية والمالية التي تتزايد مع تزايد الدفوعات المالية الشهرية عليهم.