علّمنا أولادنا.. وماذا بعد؟!

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

علّمنا أولادنا، لكن ماذا بعد؟ هذا لسان حال كل أب وأم تعبا وسهرا على أولادهما من أجل أن تمضي مسيرة الحياة، وبناء الوطن. ليس كل مخرجات التعليم العام حصلوا على منح دراسية من الحكومة، مما اضطر الآباء إلى تعليم أبنائهم على نفقتهم الخاصة، كي يشقوا طريقهم في هذه الحياة، من أجل استمرار الحياة التي فطرنا بها، ومنها بناء وخدمة الوطن.

وليس كل الآباء مقتدرون كي ينفقوا على تعليم أبنائهم، مما يضطر البعض إلى الاستدانة، أو بيع بعض من ممتلكاتهم الشخصية، كي يوفروا المال لتعليم أبنائهم، وهم يدركون أن الحياة لن تمضي إلا بمواصلة التعليم. وهنا يسعد الوالدان عندما يجتاز أولادهما المرحلة الدراسية للحصول على البكالوريوس كأقل تقدير، ثم تبدأ المرحلة الأصعب وهي مرحلة البحث عن عمل.

وقد وصفت هذه المرحلة بالأصعب لأنها حظ ونصيب، فهناك المجتهد والمتفوق دراسياً، وهو قابع في البيت دون عمل، وهناك المهمل والمتكاسل وتجده قد حصل على وظيفة، فتلك هي القسمة والنصيب.

أذكر قبل سنة أو أكثر عرضت وظيفة في جهة من الجهات الحكومية، وقد أعلن عنها ضمن ملحقات وزارة العمل، وتم اختيار من هم أكبر سنًا، وبعضهن نساء متزوجات منذ سنين، وأولادهن في سن الدراسة، والوظيفة رزق ساقه الله إليهن وليست حاجة ملحة، وأذكر بنفسي امرأة متزوجة ولديها أحفاد وليس مجرد أولاد فقط، وقد عُينت في وظيفة، بينما هناك شباب ذكور أحوج إلى الوظيفة كي يتزوجوا ويبنوا أسرة، أنا لست ضد توظيف المرأة، فلدي بنات موظفات ولله الحمد، ولكن لو خُيرت بين توظيف شاب، وبين توظيف ابنتي لفضلت توظيف الشاب، وعندما تتاح الفرصة تتوظف ابنتي، فهي في النهاية ستتزوج، توظفت أم لم تتوظف، وإن كان الوضع اختلف الآن، فهناك من يبحث عن الزوجة العاملة، ودائماً رسالتي في البيت لبناتي تحديداً، تعلموا ففي الشهادة فرصتان للمرأة، الوظيفة، ثم الزواج، فالمرأة الموظفة ستكون لها خيارات عدة لاختيار الزوج المُناسب، أما غير العاملة فقد تبقى بلا زواج للأسف، وربما تتزوج من شخص متزوج كي لا يفوتها قطار الزواج، وهذا واقع لا يختلف عليه اثنان، وهي قضية بدأت تنتشر في مجتمعنا للأسف.

لدي ابنة من مخرجات عام 2014 تخصص تربية (إنجليزي) وبعد انتظار 3 سنوات عُينت في مُحافظة ظفار، وغالبًا ما يرمى بالمعلمات المُعينات من شمال السلطنة في المدارس الحدودية ولنا في ذلك تجربة سابقة، في الوقت الذي تعاني منه مدارس الرستاق والعوابي وبقية محافظات جنوب الباطنة من عجز في معلمات اللغة الإنجليزية؛ حيث تُنتدب معلمات من مدارس أخرى أو تُعيّن معلمات بعقد مؤقت لتغطية العجز في مادة اللغة الإنجليزية، وأنا متأكد مما أقول، فنحن على اطلاع بذلك، في حين تُرسل بناتنا إلى محافظة ظفار على الحدود مع الجمهورية اليمنية. وأذكر أن ابن أخي عُيّن في ولاية مُحاذية للجمهورية اليمنية وتمَّ نسيانه خمس سنوات؛ كونه إنسانًا مسالمًا وذا خلق ويعمل بأمانة وإخلاص، وقد تعرض ذات مرة لحادث مروري وهو في طريقه إلى ولاية صلالة للتسوق وتوفي اثنان في ذلك الحادث، ونحمد الله تعالى أنه نجا من الموت.

في يوليو 2017، كتبت مقالاً عن قضية ابنتي بدأت مقدمته برسالة كتبتها ابنتي تندب حظها وهي تقول فيها: "تخرجت بتقدير جيد جداً ولله الحمد، أكملت حياتي كباقي الناس، تزوجت ورزقت بطفلة، لم أتخيّل يوماً أنّ حياتي الاجتماعية ستكون عبئاً على حياتي الأكاديمية، ربما الآخرون لا يظهرون اهتماماً واضحاً للأمر وينتهزون كل فرصة تتاح حتى لا يخسرون الوظيفة، ولكن يبدو أنني اخترت أن أكون حالة خاصة تختلف عن بقية النَّاس. وبعد انتظار يقارب الثلاث سنوات بدون وظيفة، تلقيت اتصالاً يعلمني بوجود شاغر لي في إحدى المحافظات البعيدة، بل البعيدة جداً، ذهبت لإتمام الإجراءات حيث إنهم استعجلوني للأمر فقد كان ذلك في منتصف الفصل الدراسي وليس في بدايته، شعرت وكأنني في سباق من نوع ما، كان لدي أسبوعان لمباشرة العمل وإلا فإنّ الوظيفة ستطير".

وللحديث تكملة وللقصة بقية فيها ألم وغصة، وقد أوردتها في مقالي الموجه آنذاك لوزيرة التربية والتعليم، ولكن أحداً لم يأبه لرسالتي وكأن الأمر لا يهم إلا من يده في النار.

وهناك قصص أخرى تمر علينا وعلى غيرنا من هذا القبيل ونصبر، لأننا لا نملك سوى الصبر ولا شيء غيره، وآخرها ابني تخرج منذ سنتين بعدما صرفت آخر ريال في جيبي لإكمال دراسته في علوم الحاسب الآلي (IT) بما فيها البرمجة والصيانة والشبكات والأمن إضافة إلى التصميم، وتصميم تطبيقات الهواتف الذكية.

وقد تقدم لوظائف عديدة في الجيش والشرطة، وديوان البلاط السلطاني وغيرها من المؤسسات الحكومية والخاصة، وكانت الردود (نعتذر لكم لعدم تأهلكم للوظيفة، وأحياناً عدم اجتياز المعدل، وأحياناً أخرى عدم اجتياز فحص اللياقة، وعدم استيفائك للمؤهل المطلوب، والوظائف جميعها في مجال تقنية المعلومات، فلا ندري أي مؤهل يريدون.

والغريب أن بعض الردود تصل إلى هاتفه قبل أن يصل المنزل وهو ما زال في طريق العودة.