الصراع "الصهيوأمريكي" على الاتفاق النووي

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

يظهر النزاع الغربي مع إيران على أنه خلاف أمريكي إيراني على بنود الاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عام 2015، وعُرف باتفاقية (5 + 1)؛ حيث ضمَّ كل من الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي (أمريكا، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا) إضافة إلى ألمانيا، وهذا الاتفاق بحسب علمي يعد أقوى اتفاقية دولية في التاريخ الحديث؛ حيث لم تشهد اتفاقية دولية هذا الحجم من الحضور والأهمية وتوافق الخمسة الكبار عليها؛ أي وبمعنى آخر أنَّ الاتفاق بين مجلس الأمن وألمانيا من طرف وإيران من طرف آخر.

تنصل- كما هو معلوم- الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق- رغم إلزاميته الواضحة- فور استلامه لرئاسة بلاده، وأعاد بهذه الخطوة الحديث عن  الملف النووي الإيراني إلى المربع الأول، ولم يعرف الملف المذكور في عهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن أي حلحلة أو تراجعاً من قبل الطرف الأمريكي.

يتهيأ للكثير أن الخلاف على الملف النووي والتفاوض عليه هو خلاف إيراني أمريكي بحت، بينما الواقع يقول إنه ملف خلافي بين أمريكا والكيان الصهيوني؛ حيث شعر الكيان الصهيوني بخيبة أمل كُبرى وتخاذُل الحليف الأمريكي، كما عاش تفاصيلَ صدمةِ إقرار اتفاقية فيينا بين إيران وأمريكا؛ الأمر الذي جعله يستنفر ويتحين الفرصة لخروج الرئيس أوباما من الرئاسة لحث خلفه ترامب والضغط عليه لإلغاء الاتفاقية من طرف واحد، وإلزام إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط وبنود جديدة تُمليها مصلحة الكيان الصهيوني وما يُسمى بالأمن القومي له!

خرج ترامب من الرئاسة، وبقي الحال على ما هو عليه في عهد خليفته بايدن، والذي أبدى تشددًا غير مفهوم أو مبرر تجاه الاتفاق، رغم إقراره به في عهد الرئيس أوباما بصفته نائبًا للرئيس آنذاك.

ولذلك نؤكد أن من يدير الملف النووي اليوم ويُملي شروطه وبنوده هو الكيان الصهيوني، وأمريكا مجرد واجهة سياسية للتفاوض، وهذه الحقيقة تنم عن صراع حقيقي خفي بين الإدارتين الأمريكية والصهيونية على التعامل مع إيران وإدارة الصراع في المنطقة بما يحقق مصالح كل طرف على حدة. فأمريكا تقتضي مصالحها الحيوية اليوم- كنجم أوحد آيل للسقوط ويتناقص تأثيره كقطب أوحد على الساحة الدولية تدريجيًا- إغلاق ملفات سياسية مفتوحة كي لا تتعرض للمزيد من الأوراق والتعقيدات والأضرار في حال إطالة أجلها، ومن ضمنها الملف النووي الإيراني؛ لتواجه ملفات كبرى ساخنة بحجم التفوق العسكري الروسي المُخيف وسطوة الاقتصاد الصيني على العالم. بينما يرى الكيان الصهيوني أن من أولوياته القصوى تحجيم القوة العسكرية الإيرانية وتقليم أظافرها ونفوذها في المنطقة لضمان أمن الكيان والحفاظ على سطوته ونجوميته وأسطورة المزعومة "قوته التي لا تُقهر"!

إدارة الرئيس بايدن في حرج كبير اليوم، وفي صراع داخلي بين لوبيات النفوذ بداخلها؛ حيث يحتدم الصراع عن أولوية أمريكا وخدمة مصالحها وتقديمها على مصلحة الكيان الصهيوني في هذا الظرف بالتحديد وفي ملفات بعينها، إضافة إلى حرج آخر وهو ظهور أمريكا القوة العظمى أمام العالم وهي تُدار من قبل كيان صنعه الغرب وترعاه أمريكا وليس العكس، فقبل أيام صرح الرئيس بايدن بأهمية وجود الكيان الصهيوني في المنطقة لخدمة المصالح الأمريكية قائلًا: لو لم تكن هناك "إسرائيل" لخدمة مصالحنا في المنطقة، لأوجدنا "إسرائيل" لخدمة مصالحنا.

وهذا تعبير يدل على التكامل في المصالح بين أمريكا والكيان الصهيوني مع أولوية أمريكا في القيادة ورسم السياسات وليس العكس وكما نرى اليوم في قضية الملف النووي الإيراني. لن يشهد الملف النووي في تقديري أي حلحلة تُذكر، كما لن تعود أمريكا إلى الاتفاق السابق، وستخضع أمريكا لشروط الكيان الصهيوني وإملاءاته والذي يرى بأن أي اتفاق لا ينال من قوة إيران العسكرية وحيويتها السياسية في المنطقة يعني بالنتيجة تحجيم الكيان وتعريض أمنه لخطر المواجهة والزوال معًا.

قبل اللقاء.. الكيان الصهيوني اليوم وحليفته أمريكا أصيبا بأعراض عجز القوة مقابل تنامي ثقافة المقاومة، لهذا لم تعد لهما خيارات أبعد من الحصار والبلطجة والقرصنة والضربات الخاطفة هنا وهناك، والتي تحقق البريق الإعلامي فقط ولا تحقق أي نصر عسكري أو سياسي أو إخلال بقواعد المواجهة.

وبالشكر تدوم النعم.