خالد بن سعد الشنفري
تيسر لي أن أذهب إلى مهرجان الربع الخالي بمنطقة الخذف التابعة لنيابة الشصر بولاية ثمريت، ولمدة يومين بمعية مجموعة من شباب العائلة الذين تحملوا مشكورين ثقل حركتي بجانب بطء وإعاقة حركة سياراتهم ذات الدفع الرباعي وما تقطره خلفها من عربات حمل الدراجات الصحراوية والمعدات أمام رمال الربع الخالي المهيبة.
لا بُد لي أولًا من تسجيل كلمة شكر لكل من وزارة التراث والسياحة على إنشاء وإقامة هذا المهرجان وتدشينه لأول مرة بالمشاركة مع مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار وبلدية ظفار والتعاون التام مع الخدمات الهندسية لقواتنا المسلحة ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، والعديد من الشركات والمؤسسات الداعمة والراعية، فقد مكنونا وبتوفيق من الله أن يصبح لدينا مهرجانان سياحان مختلفان في محافظة ظفار، واحد في الخريف، وآخر في الشتاء، لايقل أي منها جدوى وجدارة عن الآخر، وأكدوا أن السياحة في محافظة ظفار سياحة كل المواسم، وهذه من نعم الله علينا ويبهجنا جميعًا ويسعد زوارنا من خارج عمان الحبيبة، خصوصا وأن سياحة الشتاء- الأوروبية منها بالذات- في المحافظة أصبحت في تزايد، وارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وناهز عدد الزوار منهم 200 ألف سائح، اعتمادًا فقط على اعتدال شتائنا وبحرنا. الآن تُضاف الصحراء والربع الخالي كوجهة سياحية جديدة، بجانب الخريف والرذاذ والجبال والوديان والعيون المائية كوجهات سياحية قائمة بالفعل.
المهرجان أقيم بهذه الجهود الجماعية وتوزيع المهام والمسؤوليات بين عدة جهات، وهذا تعاون يُثلج الصدر، ويتناغم مع صدى هبات مناطقنا وهمم شبابنا والتي ما زالت أصداؤها تداعب النفوس والأفئدة.
إذا جاز لنا أن نُبدي بعض الملاحظات خصوصا وأن هذا أول موسم للمهرجان وللتذكير فقط؛ فالذكرى تنفع المؤمنين، ولنا بعض الملاحظات البسيطة التي لاحظناها خلال الزيارة التي استغرقت يومين لموقع المهرجان وأطراف صحاري وكثبان رمال الربع الخالي.
أولًا: الجزء من الطريق غير المسفلت والذي يربط مركز نيابة الشصر بموقع المهرجان وإن كان ممهدًا وبُذل فيه مجهود يشكر، إلا أن سفلتته أصبحت ضرورة ملحة للكثرة المهولة من السيارات التي تقطعه، فيما يشبه الطوابير جيئة وذهابًا، ما ينتج عنه تطاير كميات كبيرة من الأتربة والغبار ما يتسبب في حجب الرؤية لأمتار، وقد يُسبب ذلك حوادث شاهدناها وكانت متوقعة، رغم أن مسافه هذا الجزء لا تتجاوز 27 كيلومترًا فقط.
ثانيًا: لايوجد أي مركز شرطة متنقل، كما نشاهد عادة في مثل هذه التجمعات ولا حتى سيارة إسعاف واحدة!
ثالثًا: شاهدنا برجي اتصالات متنقلة، لكن الاتصالات معدومة أو ضعيفة حتى بعد اليوم الثالث للمهرجان.
وبالتزامن مع الحدث ولكون نيابة الشصر تقع ضمن موقع أوبار التاريخية، نرجو إعادة ولو بعض من مكتشفاتها الأثرية والتي كانت تعرض هناك أساسًا فى السابق ثم نُقلت إلى متحف البليد؛ فالقلعة التي شُيدت فى عهد السلطان سعيد بن تيمور هناك في الشصر، أنسب مكان لعرضها فيه.
وأخيرًا وليس آخرا، سُمي المهرجان باسم مهرجان الربع الخالي والربع الخالي يقع ضمن أربع دول؛ هي: عمان والسعودية واليمن والإمارات، ومساحته ضعف مساحة عمان، وقد لا يوحي الاسم بأن المهرجان في سلطنة عمان، ومع يقيننا أن الهدف من التسمية موجهة إعلاميًا للخارج باستغلال هذا الاسم الرنان "الربع الخالي"، إلا أننا نقترح اقتران المسمى بأوبار مثلًا أو الشصر أو الخذف؛ فالخذف اسم المنطقة التي تقع بين السيح والرملة، وهذا ما يشاهد هناك بجلاء في منطقة الخذف.
شكرًا مجددًا للجميع، والشكر لشباب الشصر الذين افترشوا خيمتهم عند مدخل المهرجان يضيفون الزوار بالقهوة العربية والتمر والترحاب بالابتسامات، ويعرضون المساعدة لمن يحتاجها بلا مقابل، شكرًا لشباب فريق الظاهرة للهواة الذين رسم مغاويرهم لوحات في منتهى الروعة والإبداع في سماء الخذف، وعلى موقع المهرجان وعلى امتداد المخيمات المجاورة بطائراتهم الشراعية واللاسلكية وعلى امتداد أرض المهرجان بسيارات الريموت.
شكرًا لكل من حول الخذف إلى بانوراما متكاملة مبهجة، وسيارات الشباب ذات الدفع الرباعي التي انتشرت كالجواري المنشآت في الصحراء؛ كالأعلام تتهادى بينها على رمالها أو تتسلق كثبانها برشاقة والطيران الشراعي لفريق الظاهرة للهواة الذي شارك خيرة المعشر فرسم لوحات على سمائها.
لو لم أكن من عُمان لفضلت العيش فيها طيلة العمر فقد تمثل بها كل جغرافية أرض الله من ظواهر طبيعية.