ألوان "الرؤية"

 

يحيى الناعبي

قبل أن أعرِّج على اللون وأهميته بشكله العام، وفي اللبس العماني خصوصا، أود أن أشكر مبادرة جريدة الرؤية في الاهتمام بقضايا الشباب ودعم اهتماماتهم في مجالات متعددة.

لقد استطاعت جريدة الرؤية، وهي واحدة من أكثر الصحف العُمانية تأثيرًا وتطورًا، في عدة تجارب ومبادرات ملموسة على أن تكشف مواهب الشباب وصقلها، إضافة إلى خلق حوار بين الشباب وميولهم الثقافية والتوعوية باتجاهاتها المتعددة والمتفردة في السلطنة، في فترة تكاد تسود فيها قضايا من خلالها يفقد الشباب حافزهم وحماسهم في رفد طاقاتهم ومهاراتهم الخلاّقة، أساس النمو والتقدم في المجتمعات.

لذلك تأتي الدورة الأولى من مهرجان الرؤية للأفلام القصيرة بعنوان "سينما الناشئة"، كخطوة جديرة بتسليط الضوء عليها؛ سواء من جانب المؤسسة الرسمية، أو من الجانب الأكثر أهمية لمثل هذه المبادرات وهو القطاع الخاص الذي يُعد العمود الفقري لمثل هذه المبادرات والتي مع الأسف طالبنا بها مرارًا وتكرارًا في متفرقات عديدة من المقالات ومنذ سنوات ليست بالقريبة. بالرغم من ذلك، هناك مبادرات جزئية من بعض المؤسسات قامت بمجهودات يشكر لها صنيعها في الاهتمام بالجانب المتعلق بتحفيز عنصر التنافس بين عناصر المجتمع في المجالات الثقافية والتوعوية.

فالفيلم السينمائي القصير "سين" والحائز على المركز الأوَّل لمهرجان الرؤية للأفلام القصيرة، كان جديرا بحصوله على الجائزة. تقييمي هنا لا ينبع من مقارنة الفيلم بالأفلام الأخرى، فأنا لم أطّلع بالطبع على الأفلام الأخرى، وأيضًا ليس من حيث التقنية الفنية والمونتاج والعوامل النقدية الأخرى لمتخصصي السينما، بالطبع رؤيتهم أكثر شمولاً في التحكيم بين الأعمال المقدمة.

تقييمي نابع من شهادة متابع العمل وما قدمته رؤية صاحبة العمل المبدعة نور الهدى العبرية في اللوحة البصرية اللونية الكثيفة التي ساعدتني على قراءة العمل من نواحٍ عديدة بعيدة ومرتبطة في الآن نفسه بالعمل. هذا العمل برأيي الخاص لم يكن لوحة سينمائية في دقائقها الخمس والست وعشرين ثانية، بل هو ملخص عام في سيكولوجية الإنسان العماني وخصوصا المرأة العمانية بين عالمين أو مرحلتين هما، ما قبل هجمة السواد والقتامة وما بعدها.

وحتى لا أحيد عن الموضوع كثيرا، أود أن أشير إلى أننا نعاني كثيرًا من التقليد الذي لم نكن موفقين على إتيانه في الكثير من أمورنا المادية والاجتماعية، لأننا بدلاً من أن نطور من أدواتنا الموجودة والتي تتناسب مع البيئة، قفزنا إلى تقليد الآخر بحجة أنه التقدم (بمفهومنا)، وليس بمفهوم المصطلح العلمي للتقدم. أبسط الأمثلة وأهمها هو: أبنيتنا الإسمنتية الصرفة في بيئة تصل درجة حرارتها إلى ما فوق 50 درجة مئوية وعلى مدى شهور. لم يستطيع مهندس واحد المحاولة في تطوير الطين والصاروج ليكونا مجتمعين مع الإسمنت وباقي العناصر مكونات تشكيل البيت العماني (ابن البيئة، الذي يتصورون أنه تخلف!!!).

عموما، عودة إلى فيلم "سين" والألوان الفرائحية والمبهجة التي كان يُقدمها للمشهد البصري والذي يمثل انعكاساً للمرأة العمانية، وهي في حالات الموارد البسيطة للحياة آنذاك. فرغم بساطة الحياة، كانت الألوان تقدم تعويضا نفسيا للمرأة وكذلك للمشهد العام، فهو يعبّر عن روح المقاومة الاجتماعية عند المرأة لشظف العيش وعنفوانه (هذا يذكرني بإحدى الصور التي التقطها مستشرق زار عُمان في بداية السبعينيات من القرن الماضي لنساء عُمانيات يحملن فوق رؤوسهن زيّل الماء ويمشين على حوّاف الجبل ويفتتن الحجر بأقدامهن الحافيات، لكنهن يرتدين الألوان وتبدو عليهن علامات الفرح والرضا). هذا التعويض النفسي يعكس تقبّل الإنسان لظروف الحياة الصعبة؛ بل على العكس هو محاولة لكسر قسوتها وتفتيت مشّاقها إلى ألوان وبهجة وسرور. بينما نجد أنه ومع توفّر العديد من التسهيلات في حياة الأسرة المعاصرة إلاّ أنهم قابلوا ذلك بالتهافت نحو استيراد عناصر أشبه ما تكون بالدخيلة على المجتمع وبيئته، ودمغ لها جواز إقامة حتى أصبحت تمثل للأجيال الجديدة على أنها جزء من ثقافته التي يجب الحرص على التمسك بها.

ما قدمه الفيلم "سين" يُعيد للذاكرة العمانية الحرفة التي كانت تقوم بها الأمهات وعلى الأجيال الجديدة في كليات الفنون والتصميم، أن تطور هذه الحرفة بالشكل الذي يتناسب مع البيئة والحالة العامة للمجتمع. ليس خطأ أن نطور أدواتنا بمزجها بثقافات أخرى، لكن علينا أن نضع محور الارتكاز هو بيئة وثقافة المجتمع وحوله تدور عوامل التطوير وليس العكس. على الرغم من أن صناعة الفيلم جاءت من مبدعة ناشئة، لكنها تلامس جيلًا متأخرًا أكثر مما يلامس جيلها، لكن الفكرة تكمن في تشجيع الجيل الناشئ على أن يطور ما ابتدعته الأجيال السابقة.