الوحدة العربية في عصر نهضتها الحديثة إلى أين؟!

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

عصر النهضة الأوربية الحديثة ابتدأ تاريخيًا منذ القرن السادس عشر برحلة كولمبس الأولى إلى العالم الجديد وحروب إيطاليا وانتهاء بوفاة إليزابيث ملكة إنجلترا وموت هنري الرابع ملك فرنسا.

وحدثت خلال هذا العصر حوادث عظيمة وتغييرات عميقة في أنظمة هذه الدول، وفي علاقاتها مع القارات الأخرى. عصر النهضة العربية أو ما يطلق عليه باليقظة العربية أو حركة التنوير العربية والتي ظهرت كحالة فكرية اجتماعية في المهجر ومن ثم في مصر ولبنان وامتدت لتشمل دمشق وبغداد وفاس ومراكش والمهجر، ابتداءً من القرن التاسع عشر وإن كان بعض المؤرخين مثل آلبرت حوراني يضع لها عام 1798 والحملة البونابرتية (نسبة إلى حملة القائد الفرنسي نابليون بونابرت) كبداية فعلية.

كان أبرز مظاهر هذه النهضة العربية الطباعة والنشر وظهور الصحافة والتوسع في إنشاء المدارس والجامعات مع الاهتمام بإعادة إحياء التراث العربي وتحقيقه وإيقاظ اللغة من كبوتها بعد عصر الانحطاط الذي ساد طويلا، وتفاعل الأدب العربي مع الآداب الغربية مما أدى إلى ظهور فنون أدبية عربية جديدة لم تكن موجودة كالقصة والرواية والمسرحية ودورهما الكبير في بعث مشاعر الهوية العربية مجددا، فتولدت حالة مناقشة قضايا مصيرية كالتحرر من الحكم العثماني وسلطته المركزية وبعد ذلك الاستعمار الأوروبي البديل، وتم أثتاء ذلك افتتاح مشاريع اقتصادية هامة يذكر منها قناة السويس في مصر وقبل ذلك قطار الشرق السريع على خط الشام ومعالم بارزة كميدان التحرير في القاهرة وساحة المرجة في دمشق وغيرها مما توالى تأسيسه وافتتاحه وصولا إلى جامعة الدول العربية.

لم تكن النهضة الأوروبية وليدة طفرة ولم تحصل فى سنوات أو عقود فقد تطلبت أكثر من قرن من الزمن وهذه طبيعة الأمور  فى الأحداث الجسام تمر بمراحل زمنية، دخلت بعدها هذه الدول فى حروب ومعارك طاحنة قضت على الأخضر واليابس فيها وحرقت وأبيدت مدن بالكامل وفقدت ملايين الأرواح، لكنها لملمت شملها واتعظت من التاريخ مرة أخرى وشكلت اتحادا فيما بينها وهي لا تمتلك نصف المقومات التي يملكها العرب لمثل هذا الاتحاد وأهمها اللغه والدين والتاريخ المشترك.

لا ننكر محاولات عربية عديدة للوصول إلى الوحدة العربية الكاملة بعد دخولهم عصر النهضة وتحقيق الهدف الرئيس والمشترك للعروبة، ولا ننسى الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي للوصول إلى الوحدة العربية وإن تلاشت أو فشلت معظمها في تحقيق الهدف المطلوب ولكن الأهم أنها كانت محاولات وأنها ليست النهاية.

للتاريخ دوراته وإفرازاته ودوام الحال من المحال، لكننا على يقين بأن مايجمعنا كعرب هي أصول وثوابت مهما تفلتت أو توارت فى مراحل معينة من الزمن كالمرحلة التي نمر بها الآن، إلا أن ثوابتها باقية ومتجذرة فى وجدان كل عربي وهذا هو الأساس ومربط الفرس، كما يقال.

نشاهد اليوم وبعد عدة قرون فقط من ولادة الاتحاد الأوروبي بوادر إنفلات لهذا الاتحاد تأخذ في النخر في جسده كخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومشكلة الغواصات الحديثة والوضع مع فرنسا وغيرها.

كل هذه المؤشرات يفترض أن تقلل من حدة تباكينا على وضعنا العربى خصوصا بعد دخولنا عصر النهضة الحديثة وتحقيق مقومات نهضتنا العربية، وما يحصل اليوم فى العديد من أجزاء الوطن العربى ونعتبرها البداية، ولننظر إلى الجزء المليان من الكأس ولماذا لا نعتبر ما يحصل اليوم في عالمنا العربي من مآسٍ هو آخرها وأنها بداية النهاية؟!