أرغب في التقاعد

 

سالم بن نجيم البادي

 

قالها وقد بدت على ملامحه مشاعر اليأس والقنوط وكان حزينا ومكتئبا ويريد الرحيل من وظيفته ولا حديث له غير التقاعد والمتقاعدين، وكلما التقى بأحد سأله متى سوف تتقاعد وهل عندك نية التقاعد هذا العام ويقولون له سوف تخسر 500 ريال من راتبك إن أنت تقاعدت ويرد لا أبالي سوف اشتري بها راحة فؤادي ويقولون سوف تشعر بالملل وليس لديك خطط ولا مشاريع ولا أهداف بعد التقاعد، ويقول لهم "لا بأس.. فقط أريد حريتي من قيود الوظيفة".

وهو يرى أن 20 سنة في وظيفة واحدة تكفي وزيادة وأن من العجز وقلة الحيلة البقاء في الوظيفة كل تلك السنوات، خاصة وإن كنت غير مرتاح في وظيفتك ومكرها بقيت فيها بسبب الظروف المالية والالتزامات الأسرية والديون والأقساط وبعد أن طرق أبواب التجارة والمشاريع وفشل وحاول الانتقال إلى وظيفة أخرى ولكنه فشل أيضا، وشعوره بالغبن والظلم وأن من اعتاد تسميتهم بـ"أهل فوق" لا يقدرونه ولا يشعرون به إلا إذا قصّر في عمله. هو لا يجيد المجاملات، ولا يحب الظهور، وبينه وبين المسؤولين الكبار عداء مستحكم ونفور دائم! ويعتقد أنهم يتصفون بالتعالي والتكبر والغرور وحب الشكليات والمظاهر، ويدَّعون الفهم وهو لا يظن أنهم أفضل منه وهم ينزلون إلى الميدان ويصطادون الأخطاء ويتتبعون العثرات ويضخمون الهفوات. كما إنه يضيق ذرعًا بالروتين والأساليب القديمة والأيام المتوالية التي لا جديد فيها، ولا مثير هذه السنة مثل السنة الماضية، والشهور تمضي يقبض الراتب ويصرفه لينتظر راتب الشهر القادم، واليوم يشبه الأمس، والوجوه هي الوجوه القديمة، والأبنية الصامتة تقف كما هي، ويخيل إليه أنها تنظر إليه نظرات شفقة أو استهزاء!

يريد التجديد والتطوير والتغيير والإبداع ولكن كل الظروف لا تساعده، ويأتيه المنظرون وأصحاب الخيال الواسع غير الواقعي والكلام الكبير ويقولون الموظف الناجح يستطيع ويستطيع وكأنه يمتلك قدرات خارقة ليحارب كل المعوقات. قلتم الموظف الناجح، أنا لست كذلك ولهذا السبب أرغب في التقاعد، وأريد إتاحة الفرصة للعقول الشابة المبدعة الراغبة في العمل بهمة عالية ونشاط وحماس.

ترقياتي متأخرة والحوافز المعنوية والمادية تكاد تكون معدومة، وإني لأتساءل في قرارة نفسي إن كان يوجد من يحارب الموظف الكفء والمخلص والمجتهد في عمله ولماذا يحارب هل هي الغيرة والحسد؟ وهل يوجد عدم انسجام وتنافس غير شريف بين بعض الموظفين في المؤسسة الواحدة وهل يحيكون الدسائس والمؤامرات ضد بعضهم وتنتشر بينهم الغيبة والنميمة والوشاية وسوء الظن؟

لا أعلم.. ولا أريد أن أعلم، كل ما أريده أن أتقاعد وأعيش في سلام!

وضحي يحترم رغبة هذا الذي يريد التقاعد، وإن كان لا يتبنى كل الأفكار التي ذكرها آنفًا، ويترك للقارئ العزيز حرية الاتفاق أو الاختلاف معه.